كتب الأستاذ نضال بركات:
يزداد مأزق حكومة نتنياهو يوما بعد يوم بسبب خلافاته ليس مع أعضاء حكومته, وإنما الرفض المطلق للإسرائيليين لهذه الحكومة لعدم قدرتها على تحقيق النصر الذي وعدت به والقضاء على المقاومة في قطاع غزة والإفراج عن الأسرى الإسرائيليين الذين هم بقبضة المقاومة ليزداد هذا الشرخ مع الخلافات الحادة مع معظم دول العالم ومع إدارة الرئيس بايدن , وكل ذلك لا يعير نتنياهو أي اهتمام بل إنه يعمل على إطالة أمد الحرب في غزة إلى نوفمبر المقبل موعد إجراء الانتخابات الأمريكية ومراهنته على وصول صديقه ترامب إلى البيت الأبيض لينقذه من وضعه خشية فرط حكومته ودخوله السجن.
إن ما يزيد هذا المأزق هو الحال الذي وصلت إليه حكومته الآن مع تفاقم الخلاف القديم الجديد مع وزير حربه غالانت ليضاف إلى ما كان أقدم عليه نتنياهو سابقا بحل مجلس الحرب لتسويق نفسه على أنه غير متطرف ووسطي في محاولة منه لاسترضاء الغرب والولايات المتحدة بشكل خاص بعد رفضه دخول وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش لمجلس الحرب، وذلك بعد أيام من استقالة الوزيرين بيني غانتس وغادي آيزنكوت لعدم رغبتهما بأن يكونا شريكين بالهزيمة خلال الحرب الحالية على جبهات عدة واتهامهما لنتنياهو بعرقلة قرارات استراتيجية مهمة لاعتبارات سياسية ومنها إجراء انتخابات بأسرع وقت ممكن وتشكيل لجنة تحقيق مستقلة, وهذا ما رفضه نتنياهو, وبالتالي فإنه سيتحمل وحده مسؤولية القرارات التي ستتخذ في المرحلة المقبلة بعد أن كان وجود غانتس وايزنكوت يشكل غطاء وحماية لأي قرارات, بينما المرجح خلال المرحلة المقبلة أن تزيد سطوة بن غفير وسموتريتش على نتنياهو من خلال ابتزازه لاتخاذ إجراءات أكثر شدة مما سيفقده الكثير من هوامش المناورة.
من الواضح بأن نتنياهو لا يعير اهتماما لكل ذلك, ولكن الخلاف الحالي مع وزير حربه غالات قد يزيد المأزق فهل يطيح به؟
إن نتنياهو يحاول التخلص من الوزير غالانت, والخلافات بينهما ليست جديدة ففي بداية العام ووفق موقع “والا” الإسرائيلي فإن الوزير غالانت حاول اقتحام مكتب نتنياهو، وكادت الأوضاع تتدهور نحو شجار بالأيدي, وهدد غالانت وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر بإحضار لواء غولاني للسيطرة على الوضع في مجلس الحرب.
وخلال الشهور الأخيرة، تطرق الإعلام الإسرائيلي مرارا إلى خلافات مستمرة بين غالانت ونتنياهو، تتعلق بكيفية إدارة الحرب على قطاع غزة، وما بعد الحرب، بالإضافة إلى محاولات نتنياهو المتكررة لتحميل الجيش مسؤولية الحرب على قطاع غزة.
وفي وقت سابق حاول نتنياهو إقالة غالانت من الحكومة قبل أن يرضخ لاحتجاجات عارمة أرغمته على العدول عن قرار استبعاد خصمه , وفي أيار الماضي نشب سجال كلامي علني غير مسبوق بين غالانت، و نتنياهو، حول إدارة قطاع غزة بعد الحرب، وأبدى غالانت رأياً متناغماً مع موقف واشنطن التي تؤكد ضرورة أن تقدم “إسرائيل” خطة واضحة لمرحلة ما بعد الحرب من حيث الحكم ومن حيث الأمن، وطالب بإيجاد بديل مختلف عن سلطة حماس في غزة إلا انه لم يحصل على إجابات، مؤكدا أن “وجود قيادة عسكرية إسرائيلية في غزة قرار سيىء.. هذا الحل سيكلف الكثير من الأرواح”,وطالب بـ”أن تسيطر العناصر الفلسطينية المدعومة من الدول العربية على قطاع غزة ، إلا أن نتنياهو رفض هذا الطرح فقال: إنه غير مستعد لاستبدال “حماستان بفتحستان”، في إشارة إلى السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية , ولكن مصادر أمنية إسرائيلية قالت لموقع «يديعوت أحرونوت» إن نتنياهو تراجع عن موقفه السابق وبات مستعداً لمشاركة «فتح» في اليوم التالي, جاء ذلك بعدما كشفت صحيفة «واشنطن بوست»، عن خطة للوزير غالانت، لـ«اليوم التالي»، التي تقضي بتسلم قوة فلسطينية، بشكل تدريجي، المسؤولية عن الأمن داخل القطاع , وتقضي الخطة التي استعرضها غالانت في واشنطن بتشكيل لجنة خاصة برئاسة الولايات المتحدة وبمشاركة قوة دولية تضم جنوداً من مصر والأردن والإمارات والمغرب، ستكون مسؤولة عن الأمن في غزة، بحيث يتولى الأميركيون النواحي اللوجيستية وذلك حتى يتم تسليم قوة فلسطينية المسؤولية عن الأمن داخل القطاع، بعد أن تخضع لتدريبات أميركية خاصة.
إن زيارة الوزير غالانت لواشنطن واللقاء مع كبار المسؤولين الأمريكيين وتصريحاته زادت الخلاف مع نتنياهو , وخلال اللقاء في البيت الأبيض مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان قال غالانت، إن تل أبيب وواشنطن تتفقان في “أهداف” الحرب على قطاع غزة داعيا إلى حل الخلافات بين البلدين حول مسار تلك الحرب داخل الغرف المغلقة فكان رد نتنياهو سريعا فقال إنه عندما لا يتم حل الخلافات في غرف مغلقة لأسابيع يحتاج رئيس وزراء “إسرائيل” إلى التحدث علنا لجلب ما يحتاجه الجنود من أسلحة.
وبحسب وسائل إعلام عبرية، بينها “هآرتس” و”يديعوت أحرونوت” و”يسرائيل هيوم”، فإن حديث غالانت، عن ضرورة حل الخلافات مع واشنطن في الغرف المغلقة يأتي في انتقاد مبطن منه لنتنياهو.
من الواضح بعد استقالة الوزيرين غانتس وايزنكوت وحل مجلس الحرب والخلاف المتنامي مع غالانت بات نتنياهو يعمل وحيدا ولا يوجد من يتشاور معه ولا من يفكر معه ويستند عليه وفق ما ذكر الكاتب اليميني بن كاسبيت في مقاله بصحيفة جيروزاليم بوست قال فيه: إن السكاكين الطويلة أخرجت بالفعل ولم يبق إلا إشارة بدء استخدامها، في إشارة إلى نية نتنياهو الإطاحة بوزير حربه يوآف غالانت , ولم يبق لنتنياهو من صلة “حسب بن كاسبيت” سوى العناوين والتسريبات ومعارك الشوارع على حساب الأمن القومي، الذي أصبح مختصرا أو يكاد في الشخصين اليمينيين المتطرفين، وزير الأمن إيتامار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، إضافة إلى رون ديرمر، الذي لا يعرف المجتمع الإسرائيلي، والمكروه من قبل المؤسسة الديمقراطية في الولايات المتحدة، وأرييه درعي المهتم بمصلحته الشخصية فقط، وبحسب المقال الذي أكد أن نتنياهو يواجه وزير حربه غالانت وحيدا تحت رحمة شعبه القريب والبعيد، دون أي دعم معقول، خاصة أنه يشتبه في قادة الجيش ورئيس الشاباك، وذلك في واحدة من أكثر فترات التاريخ صعوبة ومصيرية في “إسرائيل”، تتطلب اتخاذ قرارات ضخمة تناسب حجم التحدي,خاصة بعد الفشل الاستخباري والعملياتي الذي أدى إلى هجوم السابع من أكتوبر .
بعد أن بات نتنياهو وحيدا وفقدان ثقته بالوزراء خاصة الوزير غالانت غير سكرتيره العسكري , ليأتي بآخر يستطيع ربطه بصغار الضباط من وراء ظهر المؤسسة، لأنه يشك في قادة المؤسسات العسكرية والأمنية , لهذا وفق الكاتب بن كاسبيت “السكاكين” تُشحذ الآن للإطاحة بغالانت، ولكن نتنياهو لم يقرر لحظة التنفيذ بعد، ومن حولَه يحثونه على رمي غالانت في مهب الريح وعرض منصبه على غدعون ساعر، أو أي شخص آخر يؤدي قسم الولاء.
إن التخبط لدى حكومة نتنياهو والخلافات فيما بين الوزراء يزيد القلق لدى الإسرائيليين لأن سياسة الإجرام الإسرائيلية باتت واضحة للرأي العام العالمي الذي كشف حقيقة هذا الكيان الغاصب من خلال حرب الإبادة ضد الفلسطينيين في قطاع غزة, وبالتالي إن ما يتبين من خلافات بين المسؤولين الإسرائيليين ليس إلا من أجل مصلحة شخصية , فنتنياهو وغالانت يتحملان مسؤولية الإجرام والإبادة بحق الفلسطينيين , وهذا ما أكده المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، من أن نتنياهو وغالانت , يتحملان المسؤولية عن الجرائم ضد الإنسانية في غزة ,وبالتالي فهما لا يختلفان عن بعضهما في الإجرام أما في طبيعة العلاقات فهما يختلفان وهذا ما كان واضحا خلال زيارة غالانت إلى واشنطن , وبالتالي فإن نتنياهو الذي يتخوف من اليوم التالي يحاول التخلص من أي شخص يمكن أن يؤثر عليه , ولهذا كما قال الكاتب الإسرائيلي بن كاسبيت في صحيفة جيروزاليم من أن نتنياهو يشحذ السكين ليتخلص من الوزير غالانت فهل يستطيع؟
من غير المعروف إن كان نتنياهو يستطيع الإقدام على هذه الخطوة في ظل تخبط يخشى أن تسقط حكومته, وبالتوازي مع قساوة الأخبار الواردة من الميدان ليس في قطاع غزة وحسب وإنما في جبهات الإسناد خاصة مع المقاومة اللبنانية , فقد انفجرت ملفات عديدة في وجه نتنياهو لتزيد مأزقه ليس مع السياسيين وإنما أيضا مع جنرالات الجيش الذين يقودون المعركة في الميدان , مع تفاقم الخسائر وقتلى جنود الاحتلال ،وهذا يعد مؤشرًا واضحًا على بوادر انقسام عميق بين المستويين السياسي والعسكري, وفي مقابل ذلك ما زال لدى نتنياهو الأمل ليتخلص من مأزقه على أمل وصول صديقه ترامب إلى البيت الأبيض بعد أن تفوق على منافسه الرئيس بايدن في المناظرة التلفزيونية , فيما يستعد نتنياهو لإلقاء كلمة في الرابع والعشرين من الشهر الجاري أمام الكونغرس الأمريكي رغم رفض الكثير من السياسيين الأمريكيين لهذه الخطوة التي أرادها نتنياهو ليلعب من خلالها كي ينقذ نفسه, ولهذا يتعمد استمرار حربه في غزة إلى موعد انتخابات الرئاسة الأمريكية