الناتو ليس قطة تأكل ولائدها. ان وليدة الاستعمار العالمي دولة الكيان المدللة لا يمكن أن يأكلها او يتخلى عنها لأنها أداة هيمنة على الإقليم سياسيا واقتصاديا وامنيا وعسكريا. ان انهيار هذا الكيان يعني انهيار الجغرافيا السياسية التي عمل على إنجازها الاستعمار العالمي منذ قرنين من الزمن، اي عندما قرر اقتسام الأراضي التي يهيمن عليها الرجل العثماني المريض. يسهب المحللون السياسيون في وصف حالة الضعف التي وصل إليها الكيان وان جيشه قد خسر نصف دباباته ومصفحاته وانه تنقصه الذخيرة اللازمة ونسوا او تناسوا ان "المسالح" المنتشرة على طول الوطن العربي وعرضه بالإضافة إلى تلك المنتشرة في أوروبا وآسيا هي "مسالح" احتياط للناتو ولقاعدته المتقدمة "المسلح الرئيس" في الإقليم. ان سلاح الجو الصهيوني هو الذراع الطولى التي تمتد الى اي بقعة في الاقليم المحيط به وان المسالح الموجودة في المنطقة تستطيع ارضاع طائراته في الجو دون الهبوط في المطارات وإضاعة الوقت. ثم من أين لنا ان ندري بان الغارة الجوية على مدينة الحديدة قد نفذها سلاح جو الكيان؟ ان فرضية قيام سلاح جو الناتو المنتشرة قواعده في الاقليم هي الاحتمال الأكثر واقعية وتم تجيير الضربة لسلاح جو الكيان على غرار ما قامت به الطائرات الحربية الأمريكية التي اقلعت من قاعدة ويلس الجوية في ليبيا وقامت بتدمير سلاح الجو المصري ومطاراته في عدوان ١٩٦٧م وجيرته للكيان الصهيوني.
بصرف النظر عن الطرف الذي نفذ الغارة الجوية على الحديدة ، علينا ان نتعامل مع تداعياتها على مجمل الصراع في الاقليم. هل اضافت انجازا تكتيكيا او استراتيجيا للكيان؟ لماذا شنت الغارة على مواقع مدنية محطة الطاقة الكهربائية وخزنات الوقود؟ بعد الحرب العدوانية الطويلة على اليمن هل بقي بنك اهداف معلوم لم يتم تدميره بعد؟ ما دامت اليمن بعد كل ذلك قادرة على ضرب اهداف بدقة داخل الكيان وباسلحة لم تستخدم في السابق وفرضت حصارا بحريا في المحيط الهندي وبحر العرب والبحر الاجمر وصولا الى البحر الابيض المتوسط. يعني ان الكيان ومن وراءه الناتو لديهم عمى استخباراتي ومعلوماتي في اليمن بينما اليمن لديه بنك اهداف واضح في الكيان كما لدى حزب الله في لبنان وفصائل المقاومة في العراق. ان أزمة الكيان لا تكمن في نقص الذخائر والاسلحة وإنما في الحرب غير المتماثلة التي فرضت عليه وجيشه غير مدرب على مجابهتها انها حرب استنزاف طويلة وعلى عدة جبهات بينها تنسيق عالٍ في الحرب والسياسة، وليس هناك في الافق ما يشير الى اتفاق لوقف كامل لاطلاق النار والحرب في غزة. انها حالة استعصاء الى اجل غير معلوم. وفي قلب هذا الواقع تجددت الدعوات لعقد لقاء للمصالحة الوطنية! في العاصمة الصينية بكين اجتمعت الفصائل الفلسطينية وخرجت بما يسمى اعلان بكين ووصفوه بأنه خطوة إيجابية على طريق تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، وان اهم نقاط الاتفاق كانت تشكيل حكومة توافق وطني فلسطيني تدير شؤون شعبنا في غزة والضفة وتشرف على إعادة الاعمار وتهيئ الظروف للانتخابات، وهذا كان موقف حماس الذي دعت اليه وعرضته منذ الاسابيع الأولى للمعركة.
هذا ما صرح به رئيس مكتب العلاقات الوطنية في حركة حماس حسام بدر الدين.
اتفقت فتح وحماس الثلاثاء على انهاء الانقسام والعمل على معا لتشكيل "حكومة وفاق وطني مؤقتة" لإدارة الضفة وقطاع غزة حسب "اعلان بكين" الذي وقعته الحركتان مع أبرز الفصائل الفلسطينية برعاية الصين. جاء في الاعلان ان الفصائل الفلسطينية ال ١٤ المشاركة في الاجتماع اتفقت على تشكيل حكومة وفاق وطني مؤقتة بتوافق الفصائل الفلسطينية وبقرار من الرئيس (عباس) بناء على القانون الأساسي الفلسطيني المعمول به ولتمارس الحكومة المشكلة سلطاتها وصلاحيتها على الأراضي الفلسطينية كافة. بما يؤكد وحدة الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة. كما نص الإعلان الصادر بعد دخول الحرب المدمرة في قطاع غزة المحاصر شهرها العاشر، على ان تبدأ الحكومة بتوحيد المؤسسات الفلسطينية كافة في اراضي الدولة الفلسطينية والمباشرة في اعادة إعمار قطاع غزة والتمهيد لإجراء انتخابات عامة بإشراف لجنة الانتخابات الفلسطينية المركزية بأسرع وقت وفقا لقانون الانتخابات المعتمد. وتضمن الاعلان الذي وقعت عليه الفصائل فقرة تؤكد بوضوح ان منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
ان مشاركة ١٤ فصيلا في لقاء بكين هو بحد ذاته اكبر دليل على عدم صدقية المشاركين فيه وإنما هو نسخة كربونية عن لقاءات سابقة. ان هذا العدد من الفصائل المشاركة اكبر دليل على الانقسام ويسيئ الى الشهداء والدم الجاري على ارض فلسطين.
وان المشاركين تنقصهم النوايا الحسنة وعدم الجدية في المصالحة او الوحدة الوطنية، كان يكفي ان يقتدوا بسيد المقاومة السيد حسن نصر الله الذي أعلن على رؤوس الاشهاد وليعلم الصديق قبل العدو " ان حماس مفوضة تفويضا تاما باسم محور المقاومة في أية مفاوضات بشان الحرب الدائرة في الاقليم.
لو ان هناك ذرة من حياء لدى هذه الفصائل "الدكاكين" لاجتمعت قبل الذهاب إلى بكين وفوضت حماس بادارة الحوار مع وفد فتح. لن يكون هناك بصيص امل في تشكيل حكومة مؤقتة ما دامت هذه الدكاكين اليافطة الفارغة من البضاعة تشارك في تقرير مصير الشعب الفلسطيني.
لقد كتبت سابقا ان ما نخشاه هو وضع منجزاتنا وانتصاراتنا في خرج وسلة السلطة. المطلوب من حركة حماس والجهاد الإسلامي ان يطالبوا السلطة بالافراج عن الأسير الفلسطيني في سجون السلطة وهو "الميثاق الوطني الفلسطيني" بنفس المستوى الذي تطالبان به في الإفراج عن الاسرى الفلسطينيين لدى سجون الاحتلال. ان مقولة "منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني" مقولة غير مكتملة الا بعودة الميثاق الوطني. ان ما تم الاعلان عنه في بكين لا يساوي الحبر الذي كتب به لكنه كان انجاز لفتح الممسكة بخناق منظمة التحرير حيث وضعها على قدم المساواة مع حماس فلسطين والجهاد الإسلامي وشتان ما بين من يدفع فاتورة الدم والتضحيات وبين من يقبض ليحافظ على مقعده في التصفيات والتنسيق. ان اكبر نعمة على الشعب الفلسطيني هي ان على راس الكيان من لا يفكر ولا يعترف بوجود للشعب الفلسطيني ويقود حرب ابادة جماعية وهذه الحرب تبقي على وحدة البنادق وحرب الاستنزاف الى ان يقضي الله أمرا كان مفعولا.
*الْمَسَالِحْ تعود الى العصر الروماني
لقد ازعجت القبائل الرومان بغاراتها على الارضين التي استولوا عليها واخضعوها لحكمهم، فاوجد الرومان جيشا مرتزقا من اهل البلاد التي تحكموا في أمرها. وضعوه تحت إمرة جماعة من الضباط الرومان،وجعلوا واجبه حماية الحدود والدفاع عنها، واقاموا له ثكنات على طول تلك الحدود جواد على المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام.
م/زياد ابو الرجا
