ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن المقاومة الفلسطينية البطلة والشجاعة والتي فقدت هذا الأسبوع أحد أهم قيادتها السياسية (الشهيد إسماعيل هنية) الذي لحق بركاب شهداء المقاومة الفلسطينية في عملية اغتيال حقيرة قام بها العدو الصهيوني بعد يأسه من تحقيق أي انتصار في غزة بعد مرور عشرة أشهر كاملة من العدوان، لذلك نحاول التذكير مجدداً بأن القضية الفلسطينية واحدة من أهم الجرائم العالمية التي ارتكبت في تاريخ البشرية، فعلى مدار التاريخ الإنساني بأكمله لم يتعرض شعب لعملية اقتلاع من أرضه ووطنه كما حدث لأبناء شعبنا العربي الفلسطيني، وتعد هذه الجريمة مكتملة الأركان لأنها تمت مع سبق الاصرار والترصد، حيث تم اغتصاب وطننا العربي الفلسطيني من خلال عدو صهيوني غاشم، ارتكب جريمته بشكل منظم وممنهج، حيث نشأت الفكرة الشيطانية مبكراً، ووضعت المخططات، وقاموا بتنفيذها عبر المراحل التاريخية المختلفة.
ويعتبر "موشي هس" من أوائل من طرح فكرة انبعاث الأمة اليهودية في نهاية القرن التاسع عشر، لكن الفكرة دخلت حيز التنفيذ مع بداية الظهور الفعلي للحركة الصهيونية والتي تم إنشائها على يد "ثيودور هرتزل " والذى كتب في يومياته في عام 1895 حول موقف الحركة الصهيونية من العرب الفلسطينيين " سنحاول نقل الشرائح الفقيرة إلى ما وراء الحدود، بهدوء ودون إثارة ضجة، بمنحهم عملا في الدول التي سينقلون إليها، لكننا لن نمنحهم أي عمل في بلادنا "، ومع فرض الانتداب البريطاني على فلسطين دخلنا إلى مرحلة جديدة من الجريمة حيث بدأت بريطانيا في مساعدة الصهاينة في التوسع في بناء المستوطنات في مستعمراتها، حيث زادت نسبة الاستيطان وصولاً إلى قيام الكيان الإسرائيلي وتشريد الشعب العربي الفلسطيني من أرضه ووطنه، وعندما وافق "بن جوريون " مؤسس الكيان على قرار التقسيم 181 كشرط دولي للاعتراف بالكيان، كان يدرك أن بقاء أقلية عربية فلسطينية في القسم الإسرائيلي ستتعاظم وقد تصل إلى حد التوازن الديموغرافى، فلجأت العصابات الصهيونية إلى أساليب الترويع والطرد وارتكبت المجازر بأبشع صورها وشردت العائلات الفلسطينية من ديارها وقراها ومدنها واستولت على ممتلكاتها واستوطنت أراضيها.
ومنذ ذلك الحين والعدو الصهيوني يمارس أبشع الجرائم والاعتداءات اليومية ضد شعبنا العربي الفلسطيني، تحت سمع وبصر العالم أجمع وبالمخالفة للمواثيق والعهود الدولية، وكما يحدث اليوم في غزة من حرب إبادة مصورة بالصوت والصورة ولا يستطيع أحد نكرانها، والعجيب والغريب أن النظام الدولي العالمي الذى وضع هذه المواثيق والعهود قد أغمض عينيه على هذه الجريمة البشعة، بل ويقف في صف المغتصب، بل وصل فجره بوصف الشعب العربي الفلسطيني المجني عليه بالإرهابي، وهذه أحد أهم سمات هذا النظام العالمي الذى يكيل بأكثر من مكيال فيما يتعلق بحقوق الإنسان، وكم من جرائم ترتكب باسم حقوق الإنسان وتحت مظلة منظماته الدولية.
وخلال موجة الربيع العربي المزعوم والثورات العربية الوهمية، وقف العدو الصهيوني ليأخذ استراحة بعيداً عن الصراع العربي – العربي، والذى خطط له وفقا لمشروع الشرق الأوسط الجديد، والذى يهدف إلى تقسيم وتفتيت الوطن العربي على أسس طائفية و مذهبية وعرقية، ينشغل كل كيان فيها بصراعاته الداخلية بعيداً عن الصراع الأساسي وهو الصراع العربي – الصهيوني، وعلى الرغم من فشل المشروع إلا أن ما يحدث الآن على الأرض الفلسطينية يعنى أن العدو الصهيوني قد نجح في جزء من مخططه، وهو أن ينشغل كل قطر عربي بقضاياه ومشكلاته وصراعاته الداخلية، ليستفرد العدو ببقايا شعبنا العربي الفلسطيني الصامد والمقاوم عبر عقود طويلة في مواجهة الكيان المغتصب لدرجة أنه وبمفرده تمكن من الانتفاضة ضد هذا الكيان الغاصب عدة مرات في الأربعة عقود الأخيرة، وها هو الآن ينتفض من جديد في غزة في مواجهة العدو الصهيوني ومنذ عشرة أشهر في عملية هي الأكبر في تاريخ المواجهة مع العدو الصهيوني وهي عملية طوفان الأقصى، التي كبدت العدو خسائر هائلة على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعسكرية بل والنفسية والمعنوية، مما أفقده صوابه وجعله يعود إلى أسلوبه القديم في استهداف واغتيال قادة حركة المقاومة.
والمؤسف حقا أن هذا الانتصار الذى تحققه المقاومة الفلسطينية البطلة والشجاعة يأتي في وقت لازال الحكام العرب الخونة والعملاء والمطبعين مع العدو الصهيوني صامتون بحجة السلام المزعوم، وهنا وإن كنا قد فقدنا الأمل في الحكام فما يزيد من المرارة أن الشعوب العربية أغمضت عيونها هي الأخرى عن المجازر الصهيونية اليومية ضد شعبنا العربي الفلسطيني وانشغلت بالصراع القطري الداخلي، وبذلك نجد أن المعركة الراهنة التي يخوضها شعبنا العربي الفلسطيني تتم في إطار صمت مريب من الحكام والسواد الأعظم من الشعب العربي وهذه هي الكارثة حتى الشعوب الحرة تم تلجيمها وإخراسها حتى لا تنطق بكلمة حق.
وإذا كان الشعب الفلسطيني البطل مازال قادراً على الصمود والمقاومة وتحقيق الانتصار، بفضل تمسكه بالبندقية والمدفع والصاروخ والمسيرات كممثل شرعي وحيد في مواجهة العدو الصهيوني، رافضاً سلطة أوسلو وكل المهادنين لهذا العدو الغاصب، فعلى كل الشرفاء في أمتنا العربية والعالم التحرك فوراً لمناصرة أهالينا في غزة، فالأمل معقود عليهم لدعم المقاومة الفلسطينية البطلة والشجاعة، وليتذكروا مراحل النضال العربي حين كنا نسمع كلمات بأن القضية الفلسطينية هي قضية الأمة المركزية، وأن العدو الصهيوني هو عدونا الأول، وأنه لا صلح ولا تفاوض ولا اعترف، وأن ما أخذ بالقوة لن يسترد إلا بالقوة، وعليهم أن يتحركوا ويملئون العالم ضجيجاً من أجل دعم المقاومة الفلسطينية، حتى يشعر الصامدون في غزة أن هناك مجيب، وليتأمل كل شريف في أمتنا العربية والعالم مقولة القائد والزعيم جمال عبد الناصر " إن الذين يقاتلون يحق لهم أن يأملون في النصر، أما الذين لا يقاتلون فلا ينتظرون شيئاً سوى القتل "، لذلك فالمقاومة الفلسطينية المقاتلة وحدها يحق لها الأمل في النصر، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
بقلم / د. محمد سيد أحمد