الرد الأولى... ماذا بعد؟
مقالات
الرد الأولى... ماذا بعد؟
حليم خاتون
26 آب 2024 , 20:17 م

كتب الأستاذ حليم خاتون

كل طرف قرأ ما حدث من دفتره الخاص...

المقاومة الفلسطينية رحبت بهذا الرد من موقع التمسك بموقف المساندة الوحيد في صحراء عربية /إسلامية قاحلة، فاقدة لكل معاني الكرامة والشرف، أنظمة وشعوبا...

تفهمت حركة حماس محدودية رد حزب الله على اغتيال الضاحية ضمن أهمية استمرار وحدة الساحات من أجل عدم إعطاء مبرر للأميركيين لشن ضربات مدمرة على المحور وسط تصفيق وغبطة النظام الرسمي العربي...

حتى قرار فصل ردود الساحات عن بعضها البعض ضد الكيان كان بشكل اساسي لعدم إعطاء صورة هجوم شامل لازالة هذا الكيان العنصري يستدعي حربا أميركية/غربية، قد تؤدي إلى تعويم هذا الكيان بعد تطور الأوضاع في العالم الى جانب السردية الفلسطينية التي وفق اعتقاد قادة المحور قد تؤدي إلى زوال هذا الكيان ربما على طريقة سقوط نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا...

رغم دعاية الهجوم الاستباقي غير المنطقية في تفاصيلها العسكرية وفي عدم واقعية سرديتها، اعتبرت المقاومة الإسلامية في لبنان أن هذا الرد أعاد اليها ميزان الردع إلى حين بروز ما يشير إلى العكس...

اعتبر السيد نصرالله أن الأمور مرهونة بخواتيمها...

إذا نجحت ضربة قيادة وحدة أمان في غليلوت، يكون الردع المتبادل تحقق؛ وإذا لا، سوف يعتبر حزب الله هذا الرد الأولي غير كاف، ونعود إلى الحساب المفتوح أصلا منذ استشهاد الحاج عماد مغنية وقاسم سليماني...

من حيث المبدأ، هناك ردع تحقق إلى حد ما رغم "زعل" سمير جعجع وال MTV؛

في النهاية حزب الله ليس جيشا نظاميا؛ كما أن الجهة المقابلة تحتوي "أرمادا" من القوة الأعظم في العالم ومعها أساطيل وجيوش لا يمكن محاربتها وفق قواعد حرب كلاسيكية، خاصة وقد علم الآن ما هو طبيعي ومعروف أن كل الضربات الإسرائيلية تجري وفق توجيهات أميركية تستند إلى معلومات تجمعها أجهزة الرصد والمخابرات الأميركية والغربية...

حزب الله مجبر على أتباع سياسة النفس الطويل...

لقد استطاع حزب الله أن يساند غزة طيلة هذه الشهور دون إعطاء ذرائع للأميركيين بالدخول المباشر في هذه الحرب؛ وهو ما يشكل حلما صهيونيا لمعرفة تل أبيب انها عاجزة عن مواجهة محور المقاومة منفردة بشكل كامل دون دخول أميركي مباشر إلى جانبها...

لا بل أن حزب الله يصعّد احيانا كثيرة للتخفيف من هول ما يحدث في غزة او لمحاولة دفع أميركا إلى وقف المجازر التي ترعاها في غزة والضفة...

صحيح ان أميركا هي من يدير الحرب؛ لكنها حتى الآن تلعب من بعيد رغم افتضاح أمرها وأمر النظام الرسمي العربي معها...

النظام الرسمي العربي هذا، وحثالة اليمين اللبناني الممثل بسمير جعجع وطوني بو نجم ومروان حماده وتلفزيون المر، غاضبون لأنهم يريدون من حزب الله الدخول في حرب نظامية ضد جحافل هولاكو الاميركي أملا في القضاء على المقاومة وعودة المنطقة إلى الحظيرة الأميركية...

الأميركيون المحرجون أمام الشارع الأميركي نفسه، مسرورون بهذا الرد المحدود لأنهم يريدون التخلص من ورطة الغرق في حرب لا نظامية طويلة الأمد تستنزفهم وتبعدهم عن اماكن الخطر المحدق بسيطرتهم في نظام القطب الواحد...

ما فعله حزب الله في الخامس والعشرين من آب، هو نفس سيناريو الرد الإيراني في نيسان الماضي؛ ومن الأرجح أن يقوم الإيرانيون بضربة مماثلة لما قام به حزب الله...

قد يضاعفون عدد الصواريخ والمسيرات التي سوف يطلقونها هذه المرة طالما أن الأميركيين والغربيين قد ضاعفوا قواتهم التي سوف تحمي الكيان، وطالما أن دول أشباه الرجال من الأعراب تشكل سدا للدفاع عن مغتصب الأرض والعرض...

وحدهم ربما اليمنيون سوف يكملون على نفس النهج بسبب بعد المسافة وجدار الدفاع الغربي/العربي عن الكيان؛ كل ذلك بانتظار بروز معطيات جديدة...

لكن الأكثر ارتياحا إلى محدودية ما حدث، هم بلا ادنى شك، الكيان الصهيوني نفسه الذي كان مرعوبا من يقظة قد تعيد حياة إلى هذه الأمة الغارقة في سباتها...

في عالم العقلانية والعقلاء في المحور، ربما يحتاج الأمر إلى شيء من الجنون أو الطبيعة المغامرة...

يقول هؤلاء العقلاء على لسان بعض المحللين المزهوين أن كل الطرق تؤدي إلى روما...

هناك حتمية مثالية لانتصار الشعوب المظلومة، فلماذا التضحية بما تحقق من المنجزات حتى اليوم...

يضيف بعض السذج، إن فلسطين التي انتظرت سبعة عقود ونصف، تستطيع تحمل بضعة سنين أخرى بانتظار تراكم قوة ومعرفة وخبرة...

لكن هل فلسطين وحدها من في القفص، أم الأمة بمعظم مكوناتها...

يعطي بعص هؤلاء جوابا غير مقنع حول الخضوع لشريعة الغاب...

يجيب الاستاذ محمد عبيد في مقابلة مع جوزفين ديب على الجديد ان ال ١٧٠١ لن يطبق إلا وفق مفهوم المقاومة لتبرير انتهاء انتصار تموز بهذا القرار المسخ بفضل وقوف العالم يومها ضد .المقاومة بما في ذلك النظام الرسمي العربي وروسيا والصين...

يبرر آخرون الأمر بأنه حتى مع الثورة الفيتنامية، خضعت هانوي احيانا لمساومات قبل مراكمة القوة وإعادة عقارب الساعة إلى نصر شعب فيتنام...

يقول آخرون أن لا حق لأي كان التنظير من بعيد على من يقاتل فوق الأرض وإنه يكفي مقارنة بسيطة بين ما كان الحال عليه بعد اجتياح سنة ٨٢ وإيصال عميل إلى كرسي بعبدا وما هو الحال اليوم...

في النهاية، تتقدم القضية في كل المجالات والساحات بما في ذلك، في عقر دار الامبريالية...

المهم ان لا يضيع جوهر القضية في تفاصيل إذا ما سبقت الحرب الاستباقية عملية الرد أم لا...

ثم هل حتمية انتصار المظلومين وعدم الوصول إلى نفس مصير الهنود الحمر في القارة الأميركية حقيقة مطلقة في هذا العصر؟

ماذا عن الروهينغا؟

ألا يشكل هؤلاء دليلا على موت قضية من لا يقاتل...

طبعا لا يريد المرء أن ينضم إلى فريق العملاء والخونة في لبنان...

قطعا لا يساوي ما حدث في الضاحية واستشهاد الحاج السيد محسن، ٣٤٠ كاتيوشا على حد قول طوني أبو نجم؛ كما لا يساوي قاسم سليماني عشرين صاروخا على قاعدة عين الأسد...

حتى لو احتاج الأمر إلى بعض العقلانية أحيانا، إلا أن سيطرة الصهيونية العالمية على كل النظام العالمي قد يفرض في لحظة معينة قلب الطاولة وهدم الهيكل على رؤوس الجميع...

المهم في الأمر هو عدم السماح لواشنطن وتل أبيب بفرض أجندتهم عبر وجود هذه الأساطيل...

لقد فشلت أميركا في فرض فصل الساحات عن بعضها حين فشلت في إقفال جبهة المساندة الأساسية في جنوب لبنان وفي البحر الأحمر...

صحيح ان الرد الأولي لم يأت على قدر أهمية ما ارتكبه الكيان؛ لكنه بالتأكيد لا يمثل خطوة إلى الوراء في هذا الصراع التاريخي... يمكن القول أن هذا الرد الأولي هو نصف خطوة إلى الأمام تحتاج إلى مزيد من الخطوات...

تماما كما أن الإسناد لا يمثل خطوة ناقصة في الحرب القائمة على أهل غزة بسبب تهديد الأساطيل، فإن المهم ان لا يسكت اهل الحق عن المطالبة بحقوقهم مهما بلغت التضحيات...

الشعوب التي يخلو تاريخها من الدم تذبل وتنقرض...

إذا كان من فضل ليوم السابع من أكتوبر، فهو إنه قرر أن تقاوم العين الفلسطينية مخرز الاستعمار...

مع كل يوم في هذه الحرب، تزداد قوة هذه العين ويلين تصلب المخرز...

خسر الاتحاد السوفياتي ٢٧ مليون من اجل منع هتلر من احتلال الوطن...

خسر الفيتناميون حوالي خمسة ملايين في حرب ضروس ضد الاستعمار الفرنسي وبعدها ضد الاحتلال الأميركي...

خسر الجزائريون عدة ملايين طيلة زمن خضوعهم لاستعمار فرنسا، وعندما دقت أجراس الحرية كان الثمن مليون ونصف المليون جزائري...

كم قتلت أميركا من العراقيين؟

كم قتلت من السوريين؟

كم قتلت من اليمنيين؟

نحن في لبنان وفلسطين لم ندفع بعد ثمن الحرية، ومن لا يدفع الثمن يبقى عبدا لهذا النظام العالمي...

حتى لو مارس هذا النظام كل إرهاب الدولة الذي يمارس،

يجب أن يعلم أن لكل فعل ردة فعل...

وإنه سوف يدفع اثمانا لن تترك له مكانا تحت الشمس...

حتى الضعيف الذي يملك إرادة، يملك دائما ما يكفي من القوة الكامنة لازالة الاستعمار لو مهما طال الزمن...