مقالات
كيان فج لم ينضج بعد.
م. زياد أبو الرجا 9 أيلول 2024 , 20:47 م
ادى اكتشاف القارة الامريكية في اواخر القرن الخامس عشر الى انطلاق اكبر واوسع عملية استيطان عرفها تاريخ البشرية .نجح المستوطن الاوروبي في ارتكاب ابشع عملية تطهير عرقي ومجازر جماعية راح ضحيتها عشرات الملايين من سكان البلاد الاصليين (( الهنود الحمر)) .اصبحت امريكا الشمالية مستوطنة خالصة للعرق الابيض الاوروبي.ومن ظل على قيد الحياة من السكان الاصليين تم تجميعهم في محميات منعزلة تشبه حدائق الحيوان يزورها الناس ليتعرفوا على العرق البشري الذي ابادته الة القتل والاجرام الاوروبية.ان المجازر التي ارتكبت بحق السكان الاصليين ما كانت لتتم لولا جشع الاوروبيين وبعد امريكا عن اعين العالم والوعي على ان المشروع الاستيطاني لا يتحقق ويتم انجازه الا بالقضاء المبرم على السكان الاصليين.
لم يكن لدى المستوطن الابيض الايدي العاملة الكافية لزراعة الارض الشاسعة والخصبة ذات الموارد المائية الوافرة ، فراح يصطاد سكان القارة الافريقية ويشحنهم في البواخر الى امريكا ويشغلهم كعبيد واعاد عصر العبودية الذي اختفى منذ قرون. صارت السّمة البارزة لامريكا انها--دولة استيطانية وعنصرية قامت على التطهير العرقي--
في مراحل لاحقة وبعد النجاح المطلق للاستيطان في امريكا ظهرت في اوروبا حركات استيطانية مسلحة نحو افريقيا، وكانت هذه الحركات تتم تحت نظر حكوماتها فاذا ما نجحت في حملتها الاستيطانية تقدمت الدولة بجيشها لتحتل ذلك البلد الافريقي وتستوطنه وتفرض على سكانه الاصليين نظام التمييز العنصري البغيض.لكنها لم تقم بعملية اجلاء خارج الحدود، بل كانت تدفعهم لاخلاء المناطق الخصبة او تلك المناطق التي تهدد امن التجمعات الاستيطانية وشغلتهم كعبيد في المزارع فكانت سمة هذه الدول -- استيطانية وعنصرية -- لكنها لم تكن توسعية ، في الحقبة التاريخية التي استعرت فيها الحروب الدينية في اوروبا والتي تم فيها قَتل الدين من شدة فرط تعصب المتدينين لمذاهبهم ، فمات الدين حينها وانتصرت العلمانيةعلى كل ما هو موروث وغير معقول.وبرزت ظاهرة الاندماج العرقي والديني.وبما ان الجاليات اليهودية في اوروبا لم تكن معنية بالصراعات الدينية ، استطاعت ان تراكم راس المال والثروة من خلال الربا والتجارة.ان ظاهرة الاندماج والتسامح التي واكبت انتشار العلمانية والقومية بدأ اليهود ينجذبون الى تلك الظاهرة وزادت عمليات التزاوج بينهم وبين المسيحيين مما هدد جدران الجيتو بالانهيار وذوبان اليهودية واليهود في الديموغرافيا الاوروبية.
في ظل النجاحات التي حققتها الحركات الاستيطانية الاوروبية وخاصة حملة سيسل رودوس الذي حملت اسمه (( روديسيا)) وعاصمتها (( سالزبري)) الصخرة البيضاء تقدم ثيودور هيرتزل كمدافع عن الجيتو اليهودي وحراس الفكر الغيبي الموغل في التعصب الديني والعنصرية واتخذ من سيسل رودوس عرابا وابا روحيا له.وطرح تصوره لحل المسألة اليهودية من خلال كتاب الفه بعنوان (( الدولة اليهودية)) بالغة الالمانية (( جودين ستيت)).في هذا الكتاب لم يحدد الجغرافيا التي ستقوم عليها هذه الدولة .بل كان شرطه ان تكون واسعة بما يكفي لاشباع متطلبات امة.بقي هذا حلما يداعب خيال كل من استجاب لدعوات هيرتزل. مع تسارع وتيرة انهيار السلطنة العثمانية -- اخر الامبراطوريات الاسلامية من القرون الوسطى، تصاعدت حدة التنافس بين الدول الاستعمارية على تقسيم اراضي السلطنة الى مناطق نفوذ لها،مما ادى الى نشوب الحرب العالمية الاولى.وليس صدفة ان يواكب ذلك ظاهرتان اخريان، هما بروز الحركة القومية العربية، تطرح خصوصية الامة العربية بين الشعوب الاسلامية، وبالتالي ، ضرورة التعبير عن تلك الخصوصية في دولة عربية موحدة ومستقلة، من جهة، وانقلاب الصهيونية الى حركة سياسية ، بعد(( مؤتمر بازل))في سويسرا عام ١٨٩٧ تنادي باقامة دولة يهودية في فلسطين، تكون باليهود ومنهم واليهم.وفي هذا الاطار ، يبرز الدور الذي كان للاستيطان الصهيوني في فلسطين ان يلعبه في مواجهة الحركة القومية العربية، المعبرة عن تطلعات الجماهير العربية في الاستقلال والوحدة والتقدم الاجتماعي.
ادركت كل من بريطانيا وفرنسا ان اهدافهما في الشرق الاوسط كانت ستصطدم بالمصالح الحيوية لشعوب المنطقة.وبعد عمليات الانتداب البريطاني والفرنسي على بلاد الشام والعراق تشكل معسْكرا الصراع الاساسيان في العالم العربي: حركة الجماهير العربية، من جهة، والمراكز الامبريالية وادواتها وركائزها في المنطقة من الجهة الاخرى.
ولعل الركيزة الاساسية ، التي رعت المراكز الامبريالية ، وكل منها في حينه ، بناءها وتطويرها بعناية كبيرة ، هي الاستيطان الصهيوني في فلسطين، وبالتالي الكيان الصهيوني--اسرائيل، لتكون القاعدة المتقدمةللتصدي لنضال حركة الجماهير العربيةواحباطه ، سواء عبر المواجهة المباشرة، او المداورة.بتصدير (( الثورة المضادة)) الى مركز نشاط تلك الحركة، لعرقلته وقطع الطريق عليه.ولولا هذا الدور الذي اوكلته المراكز الامبريالية للمشروع الصهيوني، لما قامت اسرائيل، اذ لا يٌتصوّر قط امكان نجاح الحركة الصهيونية في عملها الاستيطاني معتمدة على القوة اليهودية الذاتية، وصولا الى اقامة مشروعها على ارض فلسطين--قلب الوطن العربي. ومن هنا صلة هذا المشروع الاستيطاني التاريخية بالمشروع الامبريالي العام في المنطقة، وبالتالي، صلة الكيان الصهيوني التاريخية بالمراكز الامبريالية، وكل منها في حينه.والواقع الموضوعي يشير بكل وضوح الى ان الاستيطان الصهيوني في فلسطين قام على هامش المشروع الامبريالي العام ازاء العالم العربي في نهاية القرن التاسع عشر.وظل هذان متلازمين الى يومنا هذا.**
ان فهم العلاقة الجدلية بين المركز الاستعماري والكيان الصهيوني كما اوضحنا هو الذي يقدم الاجابة الصحيحة على السؤال: لماذا اختفت كل الانظمة العنصرية الاستيطانية في اسيا وافريقيا بينما بقي هذا الكيان الصهيوني الاستيطاني والتوسعي حتى الان؟.وهذا المركز الاستعماري لن يتخلى عن مصالحه الحيوية بل الوجودية في بلادنا.
بعد مضي ٧٦ عام على قيام دولة الكيان قدم خلالها خدمات وظيفية جمة للمركز الاستعماري بدءأ من مشاركته في العدوان الثلاثي على مصر مع بريطانيا وفرنسا ردا على تأميم قناة السويس الذي قام به الرئيس الخالد جمال عبد الناصر وتصدير الثورة المضادة ودعمها في الاقليم من خلال عدوانه في حزيران/ يونيو ١٩٦٧ واعتداءاته المتكررة على لبنان واجتياحه لجنوبه عدة مرات ومن ثم اجتياحه الكامل للبنان واحتلال عاصمته بيروت عام ١٩٨٢ والاحتفاظ باحتلال جنوبه حتى ايار عام ٢٠٠٠ حين كان الفرار تحت النار وبعد ذلك عدوانه على لبنان عام ٢٠٠٦التي اثبتت ان الكيان فقد دوره الوظيفي.
الا ان طوفان الاقصى وحرب الكيان على غزة واشتعال جبهات الاسناد كشفت حقيقة ان الكيان لا زال في مرحلة الانشاء، اما لماذا اقول بكل هذا اليقين؟فان دليلي وبرهاني يقوم على ان الكيان وراعيته امريكا فشلا في تهويد فلسطين وتطهيرها عرقيا والذي يعود الى تشبت الفلسطيني بارضه ووطنه، وصار لديه مقاومة غير مساومة ، وواعية للهدف الاستراتيجي الذي تلتقي عليه قوى التحرر في الاقليم وتشكل ظهيرا وسندا للشعب الفلسطيني في نضاله حتى التحرير من النهر الى البحر.السمة البارزة للكيان الان : الفشل الذريع في اداء الدور الوظيفي، وفشل عملية التهويد التي يتهددها عملية التعريب حيث اخذت كفة التفوق الديموغرافي الفلسطينية تنذر بتحويل مجتمع المستوطنين الى اقلية.
فرضت هذه الظروف الموضوعية والذاتية للكيان هيمنة اليمين المتطرف الذي تغذيه الاوهام التوراتية والتعصب الديني الاعمى والعنصرية البغيضة الى اللجوء الى اساليب سلفه من العصابات الصهيونية المسلحة التي ارتكبت المجازر والتطهير العرقي وادت الى نشأة الكيان وصار الطرفان الفلسطيني والصهيوني امام صراع وجود ومصير مستمر ولن يتوقف حتى يصل الى نهايته المنطقية وهي(( اما فلسطين دولة يهودية من البحر الى النهر تبفى قاعدة متقدمة للمركز الامبريالي بنظام ثيوقراطي وعنصري.واما فلسطين حرة عربية من النهر الى البحر وعاصمتها القدس .دولة ديموقراطية يعيش فيها( العرب مسلمون ومسيحيون ودروز) واليهود غير الصهاينة لمن يشاء ان يبقى منهم.والجميع دون استثناء متساوين في الحقوق والواجبات. والتميز الوحيد بينهم هو وطنية الانتماء ومهنية وحرفية الاداء .ويختفي فيها بلا رجعة صراع الاثنيات والطائفية الموروثة من غباوات الماضين التي لا تتلائم مع حركة وتطور البشرية نحو التنمية والرخاء والتعايش السلمي.
في هذه المعركة الوجودية لا يوجد متسع لمشاريع تهدئة او هدن او وقف لاطلاق النار.لان مرد ذلك الى الحرب الوجودية والمصيرية التي يخوضها الكيان على كل الجبهات .وبكل قدراته وامكاناته التي عمادها الجيش الصهيوني والعصابات المسلحة الصهيونية التي يقودها الثلاثي - نتنياهو وبن عفير وسموترتش- ان هذا الثلاثي ومن معه اكبر هبة ونعمة للشعب الفلسطيني ومحور المقاومة لانه قدم كل المبررات والمسوغات الاخلاقية والوطنية والسياسية للاستمرار في حرب استنزاف تتراكم فيها الانتصارات بالنقاط.وان اهم تداعياتها انها رفعت وسرعت في ارتفاع درجة الحرارة القومية واستنهاض القوى الخيرة والابية في دول الجوار.كما ان هذا الثلاثي ومن معه يشكل نقمة على الدول المطبعة التي تخشى حراك الجماهير وتفجير الاوضاع..
ان معركة الكرامة الخالدة التي سطرها الجيش العربي الاردني بالتنسيق مع الفدائيين في ٢١ اذار/ مارس ١٩٦٨ والتي كانت اول هزيمة نكراء لجيش الكيان بعد حرب حزيران/ يونيو ١٩٦٧.
ثلاثة رصاصات فقط اردت ثلاثة جنود من كيان الاحتلال كانت كافية لبعث امجاد معركة الكرامة. ويشاء القدر ان يكون بطلا العمليتين من ال الجازي الكرام.وكما كانت معركة الكرامة الخالدة مقبرة لاليات ودبابات وجنود جيش الكيان.فان الرصاصات الثلاث كانت رصاصات الرحمة للتطبيع باكمله وستشق الطريق الى اليوم الذي نرى فيه نشامى وابطال الجيش العربي الاردني وخير اجناد الارض في الجيش المصري ارض الكنانة تقاتل جنبا الى جنب مع محور المقاومة لاستأصال الغدة السرطانية وتعود لبلاد العرب وحدتها وتقدمها ورخاءها.
وهذا ليس ببعيد طالما ان طوفان الاقصى لم يتصوره الخيال.
اننا امة لو جهنم صبت على رأسها واقفة.
ما حنى الدهر قامتها ابدا
انما تنحني لتعين المقادير ان سقطت ان تقوم
تتم مهماتها الهادفة.
** الشكر موصول للدكتور الياس شوفاني الذي عمل في (( مؤسسة الدراسات الفلسطينية)) في بيروت لمدة عشر سنوات كرئيس لدائرة الابحاث فيها، وتحديدا في (( قسم الدراسات الاسرائيلية)).
م/ زياد ابو الرجا.
المصدر: موقع إضاءات الإخباري
الأكثر قراءة
عبد الحميد كناكري خوجة : الإتحاد لبناء حاضر و مستقبل البلاد
بطولات الميدان، نقطة أم فاصلة
كير ستارمر، رئيس الوزراء البريطاني الجديد والحرب على الإسلام
انشودة, أتظن أنك عندمـــا أحـــرقتنــي.. ورقصت كالشيطان فوق رفاتي
هل تريد الاشتراك في نشرتنا الاخباريّة؟
شكراً لاشتراكك في نشرة إضآءات
لقد تمت العملية بنجاح، شكراً