باسمك نحن منتصرون.
مقالات
باسمك نحن منتصرون.
م. زياد أبو الرجا
16 تشرين الأول 2024 , 22:51 م

                      

للمرة الاولى في الفكر العربي الحديث نبّهَ نجيب عازوري الى الخطر الصهيوني ومطامع اليهود في فلسطين واثرها على السلام العالمي باسره، مركزا على الجانب القومي الوجودي في الصراع العربي - الصهيوني قال عازوري في مقدمة كتابه (( يقظة الامة العربية في الاقاليم الاسيوية )) الصادر باللغة الفرنسية في باريس في العام  1905م وبما يشبه النبوءة الى ما سيؤول اليه الصراع مع الصهيونية،قبل وعد بلفور بأثنتيّ عشرة سنة وقبل قيام دولة اسرائيل بما يقرب من نصف قرن (( ان ظاهرتين مهمتين متشابهتيّ الطبيعة، بيد انهما متعارضتان، لم تجذبا انتباه احد حتى الان،تتضحان في هذه الاونة في تركيا الاسيوية،اعْني يقظة الامة العربية وجهد اليهود الخفيّ لاعادة تكوين مملكة اسرائيل القديمة على نطاق واسع.ان ماَلَ هاتين الحركتين ان يتصارعا باستمرار حتى تنتصر احداهما على الاخرى،وعلى النتيجة النهائية لهذا الصراع يتوقف مصير العالم اجمع )).
عندما تدخل امبراطورية مرحلة الانحطاط والسقوط، ترتخي قبضتها على الهويات المتعددة والمختلفة المكونة لها،وتتسع الهوّة( الفراغ )بين تلك المكونات من جهة وبين الامبراطورية الجامعة من جهة اخرى.ارتخت قبضة الامبراطورية العثمانية على الاقطار والاقاليم البلقانية واليونان  والشمال افريقية، ويعود ذلك الى التناقض الداخلي بينها وبين مكوناتها الاثنيّة والدينية ونظامها الاقطاعي المتخلف والاشتباك مع الدول الرأسمالية الاوروبية الصاعدة.وفي الحرب العالمية الاولى سقطت سقطتها المدوية، واكتملت السيطرة الاستعمارية الاوروبية على كل اقطار الوطن العربي الممتد من المحيط الى الخليج بعد رسم خرائط سايكس-بيكو.وجدت النخب العربية نفسها كما يقول المثل( من تحت  الدّلِفْ لتحت المزْراب )، ومما زاد الطين بلّة وعد بلفور المشؤوم الذي كشفته الثورة البلشفية الروسية،والذي تتعهد فيه بريطانيا باقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.
بما ان العقل العربي السياسي منه خاصة مرتبط عاطفيا ودينيا بالعروبة والاسلام، فان الحركات السياسية التي ظهرت وتشكلات اخذت اما الطابع الاسلاموي واعتبار الهوية الاسلاموية هي الهوية الجامعة التي يجب ان ينضوي تحتها ويؤسس نظامه السياسي عليها.واما الطابع الثاني الذي قام على رفض الهويات القطرية وسعى وناضل من اجل الوحدة العربية الكبرى التي تجمع كل المتكلمين باللغة العربية والمتفاعلين بالوجدان العربي المشترك والقومية العربية. تميز انطون سعادة مؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي بحركة قومية تقوم على التميز الحضاري لسورية التاريخية.كان سعادة يقول: (( ليس لدينا من عدو سوى الصهيونية التي تريد ان تغتصب ارضنا )).حضرت الناصرية بقوة بعد ثورة  23 تموز/ يوليو 1952م وحركة القوميين العرب.طرحت الناصرية مشروع الاستقلال الوطني الكامل والتنمية الصناعية والزراعية والاقتصادية .
شهدت خمسينيات وستينيات القرن الماضي استقلال الجزائر ووصول حزب البعث للسلطة والحكم في العراق وسورية وكانت امريكا والاتحاد السوفياتي في اوج الحرب الباردة وتشكيل الاحلاف واكبها عمليات فرز واصطفاف داخل الوطن العربي ومحيطه الاقليمي، وكانت المملكة العربية السعودية والامارات الخليجية والمملكة الاردنية الهاشمية في الصف المقرب من بريطانيا وامريكا الصف الذي يخشى على وجوده من النشاط الثوري القومي واحتضن الاحزاب الاسلاموية  التي شكلها المستعمر البريطاني تنظيم الاخوان المسلمين وحزب التحرير .والصف الاخر الذي طرح الوحدة العربية والانظمة الجمهورية بديلا عن حكم العائلات المالكة .لكن اطرافه كانت تتنافس الى حد التأمر على بعضها بالانقلابات.
ان قصر الوعي الموروث من الماضي والبعيد عن الحداثة لدى حركات واحزاب التيار القومي العربي بقيت عاجزة عن الوقوف ضد الفكر الاستعلائي والاقصائي الذي لا يعترف بالشريك الاخر الاصيل في الوطن.فلا القبطي في مصر ولا الكردي والشيعي في العراق ولا الطوارق والامازيغ في المغرب العربي ولا الجنوبي في السودان ولا حتى الاحزاب غير الحاكمة تمت معاملتهم على قدم المساواة في الحقوق والواجبات.بقيت هذه النخب الحاكمة اسيرة اللاعقلانية العربية التي لا ترى في السياسة فرعا من فروع العلوم العصرية بل اشتقتها من الفعل " ساس يسوس الخيل" اي روضها وادّبها من خلال اجهزة المخابرات.
كانت هزيمة حزيران 1967م النتيجة الحتمية لانتصارالكيان الصهيوني الذي اخذ باسباب الواقع العصري وادواته العلمية على الطرف المتخلف الذي يجتر الماضي ويعيد انتاجه رافعا يديه الى السماء كي تنصره بدون الاعداد والاستعداد.
سادت حالة التشتت والتفتت ودخلت البلاد العربية في دوامة الصراعات الاثنية والدينية والمذهبية، ووصلت الى حد التناحر داخل المذهب الواحد.لم تنجح اية دعوة او حركة الى اعادة اللحمة او المادة الاسمنتية التي تلصق وتقرب المكونات من بعضها.بل قامت انظمة البترودولار بتغذية الارهاب الديني والفكري والعداء الاثني والمذهبي وبالتحالف مع المركز الامبريالي لتحطيم الدول التي قطعت مرحلة في بناء الدولة، فكانت تونس ومصر وليبياوالسودان والعراق واليمن واخيرا سورية هدفها الاول وشغلها الشاغل، وانفقت مئات المليارات من اجل ذلك.كانت المحصلة انكشاف الوطن العربي بعد استسلام الانظمة العربية على مشروعين، المشروع الصهيو- امريكي الذي يريد الهيمنة الكاملة والمطلقة على الاقليم باتساعه، وبين مشروع الثورة الاسلامية الايرانية التي حلّت محل مصر وتبنت  بكل وضوح  مناهضة ومحاربة المشروع الامبريالي الصهيو- امريكي ولخصته ب((  اسرائيل غدة سرطانيةفي الاقليم يجب ازالتها والتخلص منها، وامريكا هي الشيطان الاكبر، ونصرة المظلومين والمستضعفين في الارض بصرف النظر عن دينهم وعرقهم . ))لان الدول العربية تخلت وخرجت من الصراع العربي الصهيوني واختزلته بالخلاف الصهيوني - الفلسطيني وعلى نتيجة هذا الصراع في الاقليم يتقرر بقاءه تحت الهيمنة الاستعمارية الصهيونية او تحرره وانعتاقه.لذا فان دخول الجمهورية الاسلامية الايرانية في اللعبة الكبرىوالانخراط فيها حتى النهاية هي مسألة وجودية، فاختارت ان تدخلها من بوابة الانتصار لقوى المقاومة الفلسطينية في فلسطين المحتلة والمحاصرة والمجوعة وحزب الله في لبنان وانصار الله في اليمن وفصائل المقاومة والحشد الشعبي في العراق. قالت العرب : (( لا يجتمع سيفان في غمد واحد)).فالاقليم لا يتسع لكلا اللاعبين.وعلى احدهما ان ينكسر وينهزم.من هنا ياتي ادراك نتنياهو الواعي لطبيعة الحرب الدائرة الان على انها حرب وجودية.ان افشال المشروع الصهيو- امريكي في الاقليم هو الممر الاجباري لكل القوى الدولية وعلى راسها روسيا والصين لانجاز (( مشروع النظام الدولي الجديد المتعدد الاقطاب والعادل )).وان الف باء التحليل السياسي السليم يقودناالى ان روسيا والصين ليستا على الحياد في هذا الصراع
رددوا معي ترنيمة (( باسمك نحن منتصرون ))
م/ زياد ابو الرجا.                                    
المصدر: موقع إضاءات الإخباري