أضافت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) في عام 2020 تحذيرا شديدا يُعرف باسم "التحذير الأسود" على ملصق وصف دواء المونتيلوكاست، محذّرةً من المخاطر الخطيرة على الصحة النفسية، مثل التفكير الانتحاري أو السلوكيات الانتحارية، جاء هذا التحذير بعد سنوات من التحليل والتقارير العلمية الجديدة التي أشارت إلى وجود ارتباط محتمل بين الدواء وبعض الآثار الجانبية النفسية.
تحقيقات داخلية للكشف عن أسباب الآثار النفسية
في نفس العام، شكّلت إدارة الغذاء والدواء فريقا من الخبراء لدراسة الأسباب المحتملة لظهور الآثار الجانبية النفسية العصبية المرتبطة باستخدام المونتيلوكاست. أظهرت نتائج أولية، والتي لم تُنشر أو تُعلن للجمهور بعد، وتم تقديمها في اجتماع الكلية الأمريكية لعلم السموم في أوستن، تكساس، أن الدواء يظهر ارتباطا كبيرا مع عدة مستقبلات موجودة في الدماغ.
اختراق الدواء للجهاز العصبي المركزي
ذكرت جيسيكا أوليفانت، نائبة مدير مركز الأبحاث السمية الوطني التابع لـ FDA، أن اختبارات مختبرية كشفت عن قدرة المونتيلوكاست على "الارتباط بشكل كبير" مع مستقبلات الدماغ، ما يعزز احتمال تأثيره على وظائف نفسية. كما أكدت أبحاث سابقة قدرة الدواء على اختراق أدمغة الفئران، مما أثار الحاجة إلى دراسات إضافية لفهم كيفية تراكمه في الجهاز العصبي. وقالت أوليفانت: "تشير البيانات إلى أن تركيز الدواء يكون أعلى في مناطق الدماغ المرتبطة بالآثار النفسية."
مقارنات مع أدوية أخرى ذات تأثيرات عصبية نفسية
أشارت شرائح عرضتها إدارة الغذاء والدواء، واطّلعت عليها وكالة رويترز، إلى أن سلوك المونتيلوكاست يشبه تأثير أدوية أخرى معروفة بتسببها في آثار نفسية عصبية، مثل مضاد الذهان ريسبيريدون. ومع ذلك، أكدت الإدارة أن الدراسات لا تزال جارية ولم يتم التوصل إلى نتائج نهائية.
البيانات العلمية تدعم التقارير الفردية
عند إضافة التحذير الأسود، استندت FDA إلى أبحاث أجراها جوليا مارشالينغر ولودفيغ أيجنر من معهد الطب التجديدي الجزيئي في النمسا، أفاد العالمان أن البيانات الجديدة تُظهر وجود كميات كبيرة من المونتيلوكاست في الدماغ، حيث تلعب المستقبلات المعنية دورا في التحكم بالمزاج، والتحكم في الاندفاع، والإدراك، والنوم.
آراء الباحثين
أكد الباحثان أن البيانات الحديثة تدعم التقارير التي أوردها المرضى الذين عانوا من آثار جانبية. وقالت مارشالينغر: "من الواضح أن الدواء يفعل شيئا مقلقا"، مشيرةً إلى الحاجة لمزيد من الأبحاث لفهم العلاقة المباشرة بين آلية الارتباط في الدماغ والآثار الجانبية.
روايات مأساوية وتجارب شخصية
بحسب تقرير لوكالة رويترز العام الماضي، تلقت إدارة الغذاء والدواء آلاف التقارير عن مرضى، بما في ذلك أطفال، عانوا من الاكتئاب أو أفكار انتحارية أو مشاكل نفسية أخرى بعد استخدام المونتيلوكاست. حتى عام 2019، سجلت الإدارة 82 حالة انتحار مرتبطة بدواء سينغولير (وهو الاسم التجاري للمونتيلوكاست) ونظائره، من بينها 31 حالة تخص أشخاصًا تقل أعمارهم عن 19 عامًا.
روبرت إنجلاند، والد نيك (22 عاما)، يروي أن ابنه انتحر عام 2017 بعد أقل من أسبوعين على بدء استخدام المونتيلوكاست. وقال إنجلاند إن ابنه كان يتمتع بصحة نفسية وجسدية جيدة قبل تناول الدواء، لكنه عانى من مشاكل في النوم أثناء تلك الفترة القصيرة. وأضاف: "لقد كان على هذا الدواء لبضعة أيام فقط، لكنه غيّر مسار حياتنا تماما."
ردود فعل الشركات المصنعة
رفضت شركة ميرك، التي طوّرت المونتيلوكاست، الرد على أسئلة متعلقة بالتقرير. أما شركة أورغانون، المسؤولة حاليًا عن تسويق الدواء، فقد أكدت في بيان أن لديها "ثقة كاملة" في سلامة الدواء. وقالت الشركة: "يتضمن ملصق المنتج معلومات مناسبة بشأن فوائد ومخاطر سينغولير، بالإضافة إلى الآثار الجانبية المبلغ عنها."
خلاصة واستنتاجات
بينما تشير البيانات المتاحة إلى أن المونتيلوكاست قد يؤثر على الدماغ ويُسبب مشاكل نفسية، لا تزال الدراسات جارية لتحديد مدى هذا التأثير والفئات الأكثر عرضة للخطر. وفي الوقت نفسه، يبقى التحذير الأسود أداة ضرورية لحماية المرضى ومقدمي الرعاية من مخاطر غير متوقعة قد تُغير حياتهم.