قد تبدو البطاطس اليوم مجرد غذاء بسيط ومتوفر في كل مكان، لكنها تحمل تاريخاً غنياً ومليئاً بالمفاجآت، بدءاً من كونها نبتة سامة وصولاً إلى التفكير في استخدامها كسلاح بيولوجي، رحلتها الطويلة من جبال الأنديز في أمريكا الجنوبية إلى موائد العالم تكشف عن قصص مذهلة، بعضها يرتبط بالأساطير والعلوم، والبعض الآخر يرتبط بالبقاء على قيد الحياة خلال أوقات المجاعة.
البطاطس من جبال الأنديز إلى أوروبا
تعتبر بوليفيا الموطن الأصلي للبطاطس، حيث بدأ زراعتها شعب الإنكا منذ حوالي 8000 عام قبل الميلاد، لاحظ سكان جبال الأنديز أن البطاطس البرية تحتوي على سموم طبيعية تهدف إلى حماية النبات من الفطريات والبكتيريا. هذه السموم لم تكن تتأثر بالطهي، مما دفع السكان المحليين إلى تطوير تقنيات تقليدية لتفادي تأثيرها، مثل لعق الطين أو غمس البطاطس في خليط من الطين والماء والملح الخشن.
الرحلة إلى أوروبا: بداية انتشار البطاطس
تختلف الروايات حول كيفية وصول البطاطس إلى أوروبا:
الرواية البريطانية تشير إلى أن المستكشف توماس هيريوت أحضر البطاطس إلى بريطانيا في 3 ديسمبر 1586.
رواية أخرى تنسب هذا الفضل إلى شاعر البلاط والتر رالي، الذي روج للبطاطس مدعياً أنها تعالج السل وداء الكلب وتعمل كمنشط جنسي.
الرواية الإسبانية تعتقد أن القس والجغرافي الإسباني بيدرو سيزا دي ليون هو من جلب البطاطس من بيرو إلى إسبانيا في 1551.
البطاطس في أوروبا: غذاء الفقراء وأساس الحياة
بعد وصول البطاطس إلى أوروبا، أصبحت جزءاً أساسياً من النظام الغذائي في العديد من البلدان، وخاصة في إيرلندا. بحلول منتصف القرن التاسع عشر، كانت البطاطس غذاءً رئيسياً للعائلات الفقيرة، حيث كان يمكن لمحصول من فدان واحد وبقرة واحدة أن يعيل أسرة كاملة ويوفر فائضاً لتربية الحيوانات وبيعها.
لكن هذه العلاقة الوثيقة بين البطاطس والشعب الأيرلندي تعرضت لضربة قاسية خلال مجاعة البطاطس الكبرى في عام 1845، عندما أصابت آفة زراعية المحاصيل، مما أدى إلى مجاعة شديدة. في هذا الوقت، فكرت السلطات العسكرية الأمريكية في تخزين البطاطس واستخدامها كسلاح بيولوجي يمكن أن يؤدي إلى تجويع الأعداء في الحروب.
البطاطس: المحصول الأكبر على الأرض
اليوم، تعتبر البطاطس خامس أكبر محصول غذائي في العالم بعد الأرز والقمح والذرة وقصب السكر. وفقاً لمركز البطاطس الدولي في بيرو، يوجد أكثر من 5000 نوع من البطاطس، مما يجعلها واحدة من أكثر المحاصيل تنوعاً.
تتميز البطاطس بعدة ميزات تجعلها غذاءً استراتيجياً:
1. كفاءة إنتاج الطاقة: توفر البطاطس طاقة حرارية لكل فدان أكثر من الذرة والحبوب.
2. مقاومة الكوارث: درناتها محمية تحت الأرض، مما يجعلها أكثر مقاومة للكوارث الطبيعية التي قد تفسد المحاصيل الأخرى.
3. التغلب على المجاعات: ساعدت البطاطس العديد من الشعوب على التغلب على المجاعات عبر التاريخ، نظراً لسهولة زراعتها وقيمتها الغذائية العالية.
البطاطس في المستقبل: غذاء العالم
بفضل قيمتها الغذائية وقدرتها على تحمل الظروف البيئية القاسية، من المتوقع أن تلعب البطاطس دوراً محورياً في مكافحة الجوع حول العالم. كما تُجرى حالياً أبحاث علمية لتطوير أنواع جديدة من البطاطس مقاومة للأمراض وتلائم التغيرات المناخية.
البطاطس ليست مجرد غذاء يومي، بل هي قصة بقاء وتاريخ طويل من التحديات والإنجازات. من كونها نبتة سامة في جبال الأنديز إلى كونها غذاءً عالمياً أنقذ الملايين من الجوع، أثبتت البطاطس أنها واحدة من أهم المحاصيل في تاريخ البشرية.