منذ اكتشاف القارة الأمريكية على يد كريستوفر كولومبوس، انتقل التبغ من عادة محلية محدودة لدى السكان الأصليين إلى ظاهرة عالمية، رغم أن كولومبوس هو أول من وثّق وجود التبغ في رحلاته إلى العالم الجديد، إلا أن هذا النبات سرعان ما أصبح جزءاً من الثقافة الأوروبية، ومن ثم انتشر إلى بقية أنحاء العالم.
التبغ في رحلة كولومبوس الأولى
في 15 نوفمبر 1492، دوّن كولومبوس في مذكراته وصفاً للعادة الغريبة التي رآها لدى سكان أمريكا الأصليين في كوبا: استنشاق دخان أوراق نبات مجفف، عندما أرسل كولومبوس اثنين من بحارته، رودريغو دي خيريز ولويس دي توريس، لاستكشاف دواخل كوبا، لاحظا السكان وهم يحرقون أوراق النبات ويستنشقون دخانها باستمتاع.
البحاران الأوروبيان الأوّلان المدخنان
كان رودريغو دي خيريز ولويس دي توريس أول أوروبيين يجربان التدخين، القس الإسباني بارتولوميو لاس كاساس وصف هذه العادة قائلاً:
"كان الرجال يحملون نارا ونباتات مجففة ملفوفة في ورقة جافة مثل المسك الورقي، أشعلوا جانبا ومضغوا أو امتصوا الجانب الآخر، وبالتالي استنشقوا الدخان الذي سممهم، لكنه خفف الجوع وأزال التعب."
انتشار التدخين في أوروبا
عندما عاد رودريغو دي خيريز إلى إسبانيا، كان أول مدخن أوروبي يعاني من سوء فهم مجتمعه لهذه العادة، في 1501، ألقت محاكم التفتيش الإسبانية القبض عليه واعتبرته مسكوناً بالشيطان بسبب الدخان الذي يخرج من فمه، أمضى رودريغو سبع سنوات في السجن، وخلال هذه الفترة انتشر التدخين في إسبانيا، وأصبح عادة مألوفة.
وصول التبغ إلى البلاط الإسباني
حمل كولومبوس عينات من التبغ إلى الملكة إيزابيلا والملك فرديناند، وكان البحارة قد بدأوا بالفعل التدخين على متن السفن. سرعان ما أصبحت هذه العادة شائعة بين البحارة الإسبان، الذين وجدوا في التبغ ما يخفف عنهم مشاق الرحلات الطويلة.
التبغ يغزو أوروبا
في عام 1555، جلب المغامر الفرنسي أندريه تيفيت بذور التبغ إلى فرنسا، وسرعان ما انتشرت عادة التدخين بين الفرنسيين. كتب تيفيت عن هذا النبات قائلاً:
"لدى السكان الأصليين عشب يُسمى بيتون يُستخدم لأغراض عديدة. يلفونه في ورق النخيل، ويشعلونه، ثم يستنشقون الدخان الذي يُقال إنه يخفف السوائل المتدفقة في الدماغ ويسبب الجوع."
التبغ في إنجلترا
أما في إنجلترا، فقد وصل التبغ عبر البحار جون هوكينز، الذي تعلم التدخين خلال إحدى رحلاته إلى العالم الجديد. عند عودته، أصبح التدخين شائعاً بين البحارة البريطانيين، وبدأت عادة التدخين تنتشر تدريجياً في المجتمع البريطاني حتى أصبحت شائعة بعد نحو 20 عاماً.
تأسيس صناعة التبغ في أوروبا
في عام 1636، تأسست أول شركة للتبغ في إسبانيا تحت اسم "تاباكاليرا"، وكانت مملوكة بالكامل للدولة. اشتقت كلمة "سيجار" من لغة المايا "سيكار"، والتي تعني عملية التدخين. من هنا بدأ إنتاج السجائر بشكل تجاري، لتصبح صناعة التبغ إحدى الصناعات الكبرى في أوروبا.
الاعتقاد الخاطئ بفوائد التدخين
في القرن السادس عشر، اعتقد الأطباء الأوروبيون أن للتدخين فوائد صحية، وكان يُنصح به لعلاج بعض الأمراض، هذه الأوهام استمرت حتى أواخر القرن العشرين، حيث ظهرت نصائح طبية تشير إلى استخدام التبغ لأغراض علاجية في بعض المراجع الطبية.
الأضرار الصحية للتدخين
بحلول التسعينيات من القرن العشرين، أصبحت الأضرار الصحية للتدخين واضحة للجميع. ثبت علمياً أن التدخين يسبب العديد من الأمراض الخطيرة، بما في ذلك:
السرطان: يعتبر التدخين من الأسباب الرئيسية لأنواع عديدة من السرطان، مثل سرطان الرئة والحنجرة.
أمراض القلب: يساهم التدخين في ارتفاع ضغط الدم وتصلب الشرايين، مما يزيد من خطر الإصابة بالنوبات القلبية.
أمراض الجهاز التنفسي: يتسبب التدخين في أمراض مثل التهاب الشعب الهوائية المزمن وانتفاخ الرئة.
التشوهات الخلقية: يؤثر التدخين أثناء الحمل على نمو الجنين وقد يؤدي إلى تشوهات خلقية.
الإدمان: يُعتبر التبغ من أكثر المواد التي تسبب الإدمان، حيث يجد المدخنون صعوبة كبيرة في الإقلاع عنه.
رغم أن التدخين بدأ كعادة غريبة اكتشفها الأوروبيون في العالم الجديد، إلا أنه أصبح مع الوقت جزءاً من ثقافتهم. ومع ذلك، فإن العالم اليوم يواجه تحديات صحية كبيرة بسبب انتشار هذه العادة. لذا، تُبذل جهود عالمية للحد من التدخين ومكافحة آثاره السلبية على الصحة العامة.