بالنسبة لموضوع مصافحة النساء..
ثقافة
بالنسبة لموضوع مصافحة النساء..
سامح عسكر
4 كانون الثاني 2025 , 11:53 ص


رغم أنه نظريا تافه لا يستحق النظر إليه، لكن عمليا مهم يستحق الفحص والدراسة لبيان أسبابه..

من يحرمون المصافحة يفعلون ذلك إما لعلة وهي (لمس المرأة الأجنبية بشهوة) أو تقليدا حرفيا للمرويات في رفض النبي مصافحة النساء يوم البيعة، والإشكالية أن المرويات في رفض النبي لم تبين علة ذلك وأسبابه، ولم يستدل أحد على رفض مصافحة النساء بناء على فعل النبي لأن الثابت أمرين:

الأول: أن الصحابي عمر بن الخطاب صافحهن بعد رفض النبي، ولم ينكر عليه الرسول،

الثاني: رفض أم عطية الأنصاري هذا القول وشهدت بأن النبي صافح النساء عادي، وما حديث عائشة برفض المصافحة إلا ردا على شهادة أم عطية..

ولذلك جعل الفقهاء هذه الحادثة خصيصة للنبي دون غيره.

ولذلك أيضا استقر في الفقه التقليدي (القديم) على قول الجمهور بعدم مصافحة الأجنبية مخافة الشهوة، وهذا ما فعله الجولاني وقادته في استقبالهم لوزيرة الخارجية الألمانية..

الآن الوضع اختلف، لم تعد المرأة جارية وعبدة أو كائنا جنسيا حتى يظن بأن لمسها في المصافحة مثيرا للشهوة سوى عند مرضى الجنس، المرأة تحررت وصارت مساوية للرجل، والتعصب في عدم مصافحتها (إهانة) وليست عملا جاريا للعرف والتقاليد مثلما يبرر البعض، فالعرف استقر حديثا على المصافحة، الناس تصافح عادي ولم يعد أحد ينكر ذلك سوى شذاذ الآفاق من المتعصبين.

ناهيك عن دلالة الحدث نفسه وهو (استقبال دبلوماسي) فيكون إسقاط أحاديث منع المصافحة مخافة الشهوة (حماقة وجهل) وقع فيها الجولاني ووزراءه، ولولا أن الألمان يحتاجون سوريا الآن في معركتهم ضد روسيا لضخموا الموضوع وتأزمت العلاقة بين الدولتين.

لفت نظري قول الشيخ يوسف القرضاوي في كتابه فتاوى معاصرة، علما بأن طرحي لرأي القرضاوي من باب من فمك أدينك، فهو مرشد علمي للإخوان، ومع ذلك يصرح بجواز مصافحة المرأة

يقول القرضاوي:

"الذين يوجبون على المرأة أن تغطي جميع جسمها، حتى الوجه والكفين..هؤلاء، لا عجب أن تكون المصافحة عندهم حرامًا لأن الكفين إذا وجبت تغطيتهما كان النظر إليهما محرمًا، وإذا كان النظر محرمًا كان المس كذلك من باب أولى، لأن المس أغلظ من النظر، لأنه أقوى إثارة للشهوة، ولا مصافحة دون أن تمس البشرة البشرة" (فتاوى معاصرة 2/ 270)

يعني الشيخ يقول بأن تحريم المصافحة صدر من المتشددين الذين أوجبوا على المرأة تغطية كامل جسدها بالأساس، يقصد النقاب، بالتالي فمن يرى جواز كشف الوجه والكفين أو عدم وجوب الحجاب على المرأة بالعموم لا يلزمهم..

يقول القرضاوي "من المعروف أن أصحاب هذا القول هم الأقلون (يقصد النقاب) وجمهور الفقهاء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، يجعلون المستثنى في قوله تعالى: (إلا ما ظهر منها) الوجه والكفين. فما الدليل عندهم على تحريم المصافحة إذا لم تكن لشهوة ؟ الحقيقة أنني بحثت عن دليل مقنع منصوص عليه، فلم أعثر على ما أنشده" (نفس المصدر)

يعني عمليا لا يوجد دليل من الشرع على تحريم المصافحة للمرأة الأجنبية..

فما هو دليلهم ياترى؟

يقول القرضاوي "أقوى ما يستدل به هنا، هو سد الذريعة إلى الفتنة، وهذا مقبول من غير شك عند تحرك الشهوة، أو خوف الفتنة بوجود أماراتها، ولكن عند الأمن من ذلك وهذا يتحقق في أحيان كثيرة ما وجه التحريم ؟" (نفس المصدر)

يعني حضرتك لو قلت بتحريم المصافحة بغير مخافة الشهوة لا يوجد دليل نظري أو عملي، وما فعلته القاعدة غير مبني على أدلة بل عن هوى وميول شخصية ضد المرأة بالعموم، واعتبارها كائنا جنسيا، لذلك قلت لو أرادت ألمانيا تضخيم الموضوع لانتفضت الصحافة هناك على سلوك الجولاني المؤذي للشعب الألماني بالعموم والذي لا يفرق بين الرجل والمرأة..

يبقى أن رفض المصافحة كان لمخافة الشهوة فعلا، وعندما قلت ذلك في المنشور السابق اعترض البعض وقالوا (كيف علمت؟)

والجواب: الموضوع واضح ياسيدي، فرفض مصافحة النساء لا دليل عليه، وكافة أدلة المحرمين ضعيفة يسهل نقضها، وما وصل إليه البعض من اتقاء ذلك سدا للذريعة - يعني الشهوة أو الفتنة - لا يستقيم مع الحدث الدبلوماسي نفسه، فلو كنت تصافح رئيسة دولة وأنت لديك هوى (لمضاجعتها) تبقى مصيبة..!

‏أما عن الحديث اللي مصدعنا بين السلفيين بحرمة المصافحة والقائل "لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له"

أولا: الحديث ضعيف من أقوال الطبراني والبيهقي، ولم يذكره أحد من الكتب الستة"

قالت دار الإفتاء المصرية عن طريق أمين الفتوى الشيخ أحمد ممدوح سنة 2020 "إن هذا الحديث ضعيف وليس ثابتا من ناحية السند، وإن كان صحيحا فمن الممكن حمله على معنى الزنا وليس مجرد المصافحة"

ثانيا: لا يوجد دليل على أن المس هنا يعني المصافحة، بل هو تأويل متأخر من الوهابية لفرط تشددهم ناحية النساء.

ثالثا: الاستدلال بهذا الحديث في مقام تحريم مصافحة المرأة جهل وتعدي على القرآن الكريم الذي فسر المس بمعان أخرى

تابع..قال تعالى:

1- "يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغآئط أو لامستم النساء" [النساء : 43]

الملامسة هنا تعني الجماع

2- "قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر " [آل عمران : 47] وقال أيضا "قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا" [مريم : 20]

المس هنا يعني الجماع أيضا

3- "يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن" [الأحزاب : 49]

المس هنا يعني الجماع أيضا.

رابعا: من يدعي أن مصافحة المرأة ينقض الوضوء أو يعني الشهوة في ذاته كفعل فهو تعد أيضا على القرآن، الذي ذكر جميع المحرمات في الطهارة، وما غيره يسمى اجتهاد غير ملزم

قال تعالى "ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم" [المائدة : 6]

فلو كانت مصافحة المرأة غير طهارة لماذا لم يحرمها الله، أو حتى تأتي في الأحاديث المتواترة أو المشهورة، أو حصلت على الإجماع بين المسلمين قديما وحديثا..

الخلاصة: تشدد القاعدة في رفض مصافحة المرأة هو امتهان لها وتعبير عن مكنوناتهم الداخلية تجاه النساء وتصويرهن كآلات جنسية لا غير، ولم يتوقف ذلك على المرأة العادية، بل وصلت أمراضهم على المستوى السياسي والدبلوماسي بتصوير مسئولين الدول كآلات جنسية مثيرة للشهوة..وهذا قبح وجهل ما أنزل الله به من سلطان.. 

المصدر: موقع إضاءات الإخباري