لن يكون الجولاني معاوية بن ابي سفيان ولا مرهف عمرو بن العاص
مقالات
لن يكون الجولاني معاوية بن ابي سفيان ولا مرهف عمرو بن العاص
م. زياد أبو الرجا
2 شباط 2025 , 20:20 م


*ادى تطور الرأسمالية الى بروز ايديولوجيات متعددة .فالرأسمالية التي استحوذت على ادوات ووسائل وقوى الانتاج افرزت ثقافتها ومفكريها للابقاء على مكتسباتها.وبما ان كل شيء يحمل في احشائه نقيضه ظهرت الحركة الشيوعية والاشتراكية قادها فلاسفة ومفكرون ووضعت برامج عمل احزاب سياسية لتمكين قوى الانتاج من السيطرة على الملكية بدل تركيزها في ايدي حفنة من الراسماليين.ووضع الفلاسفة الاشتراكيون تصورا فلسفيا يقوم على ان اعلى مراحل الاشتراكية سيؤدي الى ذبول الدولة ( Withering of the state )، ظهرت الحركة الفوضوية ( الاناركية) التي تجعل الدولة غير مرغوبة وغير ضرورية .يعتبر الفرنسي جوزيف برودون مؤسس الفوضوية. صارت الفوضوية تطلق على الافراد فنقول فلان فوضوي وهو الشخص الذي يفتقد الى التنظيم والترتيب في اسلوب حياته ويتسم بعدم القدرة على تحديد الاولويات وتنظيم المهام والموارد بشكل فعال.اثبتت احداث التاريخ ان الفوضوية اداة تدمير وليس اداة بناء وتعمير.

* تبنت الولايات المتحدة الامريكية الفوضوية والفوضى لاستمرار هيمنتها والقضاء على خصومها.يقول الدكتور جورج فريدمان: (( لا تحتاج الولايات المتحدة الامريكية الى الانتصار في الحروب.ما تحتاجه بكل بساطة هو اغراق الاخرين بالفوضى بحيث لا يمكن لهم اعادة انتاج ما يكفي من القوة بحيث تشكل تحديا لها.سوف يشهد القرن الحادي والعشرون في احد مستوياته سلسلة من المواجهات تخوضها قوى اقل شانا وذلك في معرض محاولتها تشكيل ائتلاف يهدف الى احتواء السلوك الامريكي وعمليات الولايات المتحدة الامريكية العسكرية الهادفة الى التشويش عليه.سوف يشهد القرن الحادي والعشرون حروبا اكثر مما شهده القرن العشرون، الا ان هذه الحروب سوف تكون اقل كارثية وذلك بسبب المتغيرات التكنولوجية واضا بسبب طبيعة التحديات الجيوسياسية)).

الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجيك الف كتابا بعنوان " فلسفة الفوضى" قال: ((المحرك الدائم لعصرنا هو الفوضى التي لا هوادة فيها)).

قامت كونداليسا رايس بطرح نظرية الفوضى الخلاقة التي ستولد الشرق الاوسط الجديد.تبنت امريكا هذه النظرية وتم تعيين رايس وزيرة للخارجية ثم دفعت بجيش الكيان الصهيوني للقضاء على حزب الله في لبنان وقالت رايس ان مشروع الشرق الاوسط الجديد سيقوم على اشلاء حزب الله.تم دحر جيش الكيان مهزوما بعد قتال دام اكثر من شهر وسقط مشروع رايس.لكن هذا الفشل لا يعني التخلي عن الفوضى الخلاقة.بل البحث عن وسائل وادوات اخرى بديلة اكثر نجاعة وفاعلية لتحقيقها.

لجات امريكا الى الاحزاب والتنظيمات الاسلامية والعشائر والاقليات العرقية واستنبطت منها ما يمكن تسميته ((بقوات النخبة الارهابية)) واطلقت عليه تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام(( داعش)).التي اتخذت من العراق وسورية ميدانا لعملياتها الارهابية والفوضى الدموية وصارت مركز استقطاب لكل فوضويي العالم وارهابييه.كانت تركيا الناتوية ذات الحدود الطويلة مع العراق وسورية محطة التدريب والتسليح ومنافذ العبور والدعم اللوجستي للارهابيين .واقام الاطلسي غرفة عمليات عسكرية واستخباراتية بالاضافة الى غرفة عمليات الموك في الجنوب.

وسعت داعش والتنظيمات الارهابية الاخرى من نطاق عملياتها فقامت اسرائيل بنقل مجموعات كبيرة منهم وخاصة الاخوانيون الى شبه جزيرة سيناء ووضعت مصر بين فكي كماشة الارهاب الليبي من الغرب والارهاب الداعشي من الشرق لاغراق مصر في الفوضى الخلاقة.حازت التنظيمات الارهابية على دعم الغوغاء العربيةالتي امضت عقودا من الزمن مهمشة ومستثناة من التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

* بما ان الفوضوية (الاناركية) كحركة لا تملك برنامجا سياسيا وتصورا لبناء دولة وادارة ، بل على العكس من ذلك تجعل من الدولة غير مرغوبة وغير ضروريةوضارة،وهي بذلك ضد التنظيم الهرمي لادارة العلاقات الانسانية والاجتماعية.فما بالك حين تكون اداة بيد مشغِّلها ولا تملك من امرها شيئا.

خضعت سورية لسيطرة القوى الفوضوية الارهابية المسلحة بعد اسقاط الدولة والنظام في سورية في الثامن من كانون الاول/ ديسمبر ٢٠٢٤ وصار الداعشي الارهابي ابو محمد الجولاني المطلوب امريكيا على قائمة الارهاب بعشرة ملايين دولار على راس هرم السلطة الانتقالية في سورية وقامت امريكا راعية الفوضى والارهاب بالتعامل معه بصفته الجديدة! لا احد يعرف سقفا للفترة الانتقالية التي قد تطول لعدة سنوات .الان سورية غارقة في الفوضى الدموية المسكوت عنها من اعلام الناتو وشيوخ الفتنة ولا احد يعترض شفهيا على الاحتلال الاسرائيلي .والانكى من ذلك ان ابواق الاخوان الاعلامية والمحسوبين عليهم من المثقفين واشباه المثقفين يبررون الفوضى وارتكاب المجازر تخت مقولات(( الضرورات تبيح المحظورات)) و (( ما لا يتم الواجب الا به فهو واجب)) هذه هي الادوات الفقهية التي تيسر لهم ارتكاب الخطايا دون ان يرمش لهم جفن، يستندون في خطواتهم الى قاعدة (( تكبير المصالح ودرء المفاسد)) وعلى قاعدة (( الضرر يزال))و (( المشقة تجلب التيسير)) او تحت قاعدة (( انه لا واجب مع عجز، ولا حرام مع ضرورة))! هذا هو كلامهم سيكذبون ويشتمون ويفعلون اكثر من ذلك.

لن تنعم سورية بالاستقرار، ولن يكون الجولاني الارهابي معاوية بن ابي سفيان ولا وزير دفاعه مرهف ابو قصيرة عمرو بن العاص.

وكما يقول المثل: (( الميِّة بتكذب الغطاس))

مهندس/ زياد ابو الرجا.               

المصدر: موقع إضاءات الإخباري