نقطة مهمة أخرى في فكر الجماعات الإرهابية
مقالات
نقطة مهمة أخرى في فكر الجماعات الإرهابية
سامح عسكر
26 شباط 2025 , 12:02 م


أنها اعتمدت في جوهرها على كتب السياسة الشرعية القديمة التي جرى تأليفها في العصر العباسي الثاني، خصوصا في القرنين 4، 5 ومن أمثال هؤلاء (أبو يعلي الفراء- والماوردي - والجويني)

لم يشهد الفكر الإسلامي أقدم من تلك الكتب في السياسة الشرعية ونظم الحكم سوى كتاب منسوب للإمام ابن قتيبة الدينوري بعنوان "الإمامة والسياسة" مختلف عليه، والبعض يقول منحول

جوهر المشكلة أن هذه الكتب اتصفت بما يلي:

1- أنها ظهرت في عصر استقرار سياسي للدولة المركزية العباسية، وعدم وجود صراعات كبيرة بين الخليفة البغدادي وخصومه من ذوي الأديان الأخرى، فاتسمت الكتب بالنزعة (السلطوية) وعدم الاهتمام بتفسير العدالة..

هذا جعل كتب السياسة الشرعية هذه مجرد ميثاق أو دستور ديني مفصل على مقاس الخليفة ورجال البلاط فقط، 

2- عدم واقعيتها السياسة ومعاناتها من النظرة المثالية للدولة والحكم، وهذا بسبب تقيدها بظاهر النصوص وميول الفقهاء هذا التوقيت لقبول المرويات واعتبارها دينا موازيا للقرآن، أو يفوقه مثلما أراد الحاكم، الذي بحث لإرساء سلطته ولم يجد أفضل من المرويات، خصوصا التي ظهرت في العصر الأموي لتبرير ملك بني أمية، والدفاع عن الخليفة واعتباره حارسا للدين.

3- العزلة عن المحيط الاجتماعي والفكري والجغرافي، بسبب ميل السلطة العباسية آنذاك للانكفاء على النفس وعدم التوسع في الحروب والاختلاط مثلما كان عليه المسلمون في العصرين الأموي والعباسي الأول، وقد أدت هذه العزلة لإهمال علوم الفلسفة والمنطق والفيزياء وكافة العلوم التجريبية، التي بدأت في الظهور آنذاك في رحاب دول مستقلة عن خليفة بغداد مثل البويهيين والحمدانيين والفاطميين والسلاجقة..

في هذا العصر وهو الذي بدأت تظهر فيه كتب السياسة الشرعية تميز المسلمون في الأندلس بانفتاح فكري نتيجة للصراع مع الممالك المسيحية واليهود، وقد هذا الانفتاح للبدء في التأليف في باب (المصالح والمقاصد) وهي ثورة فقهية مميزة اكتسبها المسلمون في منطقتي (إيران والأندلس) عن طريق الجويني والشاطبي، كأبرز من ألفوا وصنعوا فقه المصالح الذي قضى نوعا ما على فقه السياسة الشرعية أو قاوم منتجاته التي أدت إلى تأليه الحاكم..

الخلاصة: أن الظروف التي ظهرت بها كتب السياسة الشرعية من انغلاق وسلطوية وفاشية من الخليفة العباسي أثرت على فقهاء السياسة الشرعية، ثم أثرت لاحقا على الفكر الإسلامي في العصرين المملوكي والعثماني والذي كان فيه الحاكم (شبه إله) يمثل الخروج عليه خروجا على الدين.

أي لو ظهرت تلك الكتب في الأندلس مثلا لتغير التاريخ وتغير الفكر الإسلامي بشكل كبير، ورأينا رواجا لأفكار ابن باجة وابن طفيل وابن رشد والشاطبي على أفكار ابن تيمية وأبي يعلي والماوردي..

وأما الجماعات الإرهابية التي نهلت من تلك الكتب الأخيرة لم تعتمد القرآن كأصل ديني، بل كشارح لهذه الكتب والمرويات، يعني عكسوا الآية، ولولا تقديس ابن تيمية وابن القيم وأبي يعلي كأشهر من تكلم في السياسة الشرعية ما نشأت تلك الجماعات، وما لاقت مناهجم في العنف رواجا بين العامة، فالعنف الديني يظل ضعيفا ما لم يستند على قوة أيديولوجية، لكنه يكتسب قوة هائلة إذا كان مبررا دينيا، أو أن دافعه الأيدلوجي والشعبي مقبول.
المصدر: موقع إضاءات الإخباري