كتب موسى عبّاس:
إنّ ما يجري على الساحة الفرنسية منذ أيّام ليس مستغرباً بالتحديد في وقت يستعد السياسيون هناك لإنتخابات قادمة ، يسعى رئيسهم ماكرون بكل ما أوتيَ من خسّةٍ وتدنّي أخلاقي لإستغلال جميع الوسائل التي قد تؤدي حسب تقديره للفوز ، بما فيها الإساءة إلى أهمّ المقدّسات الإسلامية وأعظمها على الإطلاق، ودون الأخذ بعين الإعتبار أنّه يسيء إلى مشاعر حوالي ربع سكّان العالم ، بل على العكس تصرّفه يظهر استخفافاً عنصريّاً خطيراً حتى بمشاعر المسلمين الفرنسيين أنفسهم، مع التأكيد على أنّه لا يقيم وزناً لأي ردّات فعل من قبل متطرفين ينسبون أنفسهم إلى الإسلام غذّتهم ودعمتهم الإستخبارات الفرنسية وأرسلتهم ليقاتلوا في سوريا إلى جانب التنظيمات الإرهابية ، عاد الكثير منهم إلى فرنسا ومن المؤكد أنّ بعضهم سينتقمون من مواطنين فرنسيين أبرياء لا علاقة لهم بما ارتكبه رئيسهم من تحريض عنصري ضد أعظم رمز عند المسلمين تحت ستار حرّية التعبير الزائفة متناسياً أنّ الحريّة مهما عظُمَ شأنها يجب ألاّ تمَسُّ بكرامة الآخرين ومشاعرهم وذلك عندما أعلن بوقاحة الذي يفتقد أيّا من مقوّمات القيم الأخلاقية في21 تشرين الأول الجاري :
" إن فرنسا لن تتخلى عن الرسوم الكاريكاتورية".
من جهّة ثانية يبدو أنّ مفهوم التمييز الديني العنصري متأصّل حتى لدى من هم من المفترض أن يكونوا بعيدين عن هذا الإنحدار الأخلاقي من أمثال "وزير التعليم الفرنسي بلانكير ووزير الداخلية الفرنسي جيرالد درمانان، والفيلسوف باسكال بروكنر"، الذين دأبوا على إلصاق تهمة الإرهاب بكل من يدافع عن المسلمين.
الاقتصادي الفرنسي،" توماس بيكيتي" المعروف بكتابه الشهير "رأس المال في القرن الـ21"، يتّهم السياسيين في بلاده بأنّهم يستفيدون من الإرهاب لقمع المسلمين بفرنسا، ويضيف قائلا :
"من غير الأخلاقي أن يستخدم السياسيون الإرهاب لمصلحتهم. هذه هي استراتيجية الهندوس القوميين منذ القديم".
كما أن إتحاد الطلبة الفرنسي اعتبر تصريحات وزير التعليم "دليل على الجهل".
وكذلك اتّهمت نقابة المعلمين الفرنسيين وزير التعليم بأنّ تصريحاته "غير مسؤولة" وأنّها "عنف غير عادي".
الإرهاب من أي جهّةٍ أتى ومهما كان نوعه وأسلوبه مُدان ، والإدانة يجب أن تشمل الإرهاب الفكري والتحريض كما الجسدي ، فما أقدم عليه الشاب الشيشاني ضد أستاذ التاريخ مُدان وغير مقبول كذلك ما أعدوه الرئيس الفرنسي من تصريحات والأستاذ الذي عرض الرسوم المسيئة للرسول الأكرم هو مُدان أيضاً .
عمليات القتل تلقى اشرس الإدانات من المسلمين قبل غيرهم ،لكنّ ما قاله الرئيس الفرنسي وما أقدم عليه الأستاذ من عملٍ فاضح ام يلقَ أي إدانة فعلية وتناسى العالم أن المراهق القاتل هو ضحيّة تحريض الرئيس العنصري وفعل الشناعة من الأستاذ المقتول ،الأمر الذي لا بُدّ وأن يؤدي إلى المزيد من نشر للعنصريّة والطائفية والمزيد من ردّات الفعل من قبل المتطرفين الذين تربّوا في أحضان الإستخبارات الفرنسية والأوروبيةوالأمريكية.
ولا بُدّ من تذكير الرئيس الفرنسي
ماكرون الذي يقود حملات التحريض ضدّ الإسلام والمُسلمين في أوروبا، أنّ بلاده هي التي أرسلت وشجّعت المتطرّفين الإسلاميين في فرنسا وأوروبا على الذّهاب إلى سورية لإسقاط النظام العلماني ، وعندما فشل هؤلاء “الجِهاديين”كما كانوا يسمونهم في إنجاز مهمّتهم ، وفي تحقيق الهدف جرى التخلّي عنهم، ورفض الاعتِراف بمُواطنتهم، تمامًا مثلما حصَل مع نُظرائهم ممن كانوا يسمونهم ب "المُجاهدين الأفغان".
كما لا بد من تذكير "ماكرون" باعترافات "هبلاري كلينتون" وزيرة خارجية أمريكا السابقة بأن بلادها والغرب هم من أنشأووا وموّلوا وسلّحوا التنظيمات الإرهابية بالتكافل والتضامن مع بعض محميّاتهم الخليجية.
نحن ضد الإرهاب والتطرّف أيّا كان نوعه ومن أي جهّة أتى :
الصهيوني في فلسطين المحتلة والأمريكي في العراق وسورية وأفغانستان والفرنسي والبريطاني في أفريقيا ، كما إرهاب التحالف الأمريكي السعودي الإماراتي الصهيوني في اليمن.
أيّها الرئيس ماكرون :
لا داعي للغوص في ماضيكم الشخصي الذي لا يُشرّف ، ولكن لا بُدّ من تذكيركم أنّ بلدكم فرنسا هي الدولة الوحيدة في العالم التي تُقيم متحفاً خاصاً لجماجم الآلاف من المناضلين الجزائريين الأبطال الذين قاوموا الإستعمار الفرنسي لبلدهم الذي استمر لأكثر من 130سنة وحرّروها بدمائهم من إرهاب وهمجيّة أبائكم وأجدادكم.
الإسلام السياسي المتطرّف هو إنتاجكم أنتم وحلفاؤكم الأمريكيين وأعراب الصهاينة.
وختاماً ، إن كنتم تعتقدون أيّها الرئيس أنَه يمكنكم استمالة اليمين الفرنسي في الإنتخابات من خلال الخطاب العنصري وبثّ روح الحقد والكراهية ضد الفقراء من المسلمين الفرنسيين فهذا سيؤدي باعتقادنا إلى قلب السّحر على الساحر وإلى زيادة التطرّف وبالتالي إلى خسارتكم الإنتخابات بل ربّما إلى تمزيق الكيان الفرنسي برمّته .