واشنطن-محمد دلبح
كشفت تقرير نشر في لندن أن دولة الإمارات العربية المتحدة تُمارس ضغوطًا على الولايات المتحدة لرفض خطة للانتقال السياسي وإعادة إعمار قطاع غزة والتعافي التي صاغتها الحكومة المصرية لما بعد العدوان الصهيوني على قطاع غزة كبديل لخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الداعية إلى تهجير سكان القطاع قسرا والاستيلاء على أرض القطاع، وقد حظيت الخطة المصرية بدعم القمة العربية التي عقدت في القاهرة يوم الرابع من مارس الجاري. وقد لوحظ تغيب الإمارات عن تلك القمة مما يشير إلى انقسام كبير في العلاقات بين أبو ظبي والقاهرة.
وقد تضمنت الخطة المصرية بشكل رئيسي أن تتولى السلطة الفلسطينية التي يترأسها محمود عباس الحكم في غزة بعد مرحلة التعافي المبكر وتشكيل إدارة انتقالية لمدة ستو أشهر، وتشكيل قوة أمنية من أجهزة أمن السلطة الفلسطينية يتم تدريبها في الأردن ومصر، بالإضافة إلى احتمال نشر قوات دولية تابعة للأمم المتحدة أو غيرها في القطاع والضفة الغربية المحتلة. وقدت مصر فعلا مقترحًا لمجلس الأمن بشأن وجود دولي في غزة والضفة الغربية.
وبينما دعمت عدة دول أوروبية الخطة، فإن الولايات المتحدة وكيان العدوان الصهيوني رفضتاها كما كان متوقعًا. وقد تحركت حكومة الإمارات العربية المتحدة بعكس قرار القمة العربية حيث سعت إلى تعزيز الرفض الأميركي للخطة المصرية-العربية، التي تعاني أساسا من قصور لجهة التنفيذ وأيضا لأنها في العديد من بنودها تستجيب لمطالب أميركية وصهيونية. وقد سارعت الإمارات إلى ترامب توسوس له بعدم قبول الخطة حيث أفاد تقرير نشره موقع “ميدل إيست آي” الممول من قطر، نقلاً عن مسؤولين أميركيين ومصريين بأن السفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة، يوسف العتيبة، يقوم بممارسة الضغوط على المشرعين وأعضاء الدائرة المقربة من الرئيس ترامب لدفع النظام المصري على قبول التهجير القسري للفلسطينيين من غزة. وقد سبق للعتيبة القول في ندوة لقمة حكومات العالم أنه لا يرى بعد بديلا عن خطة ترامب.
كما زعمت البعثة الدبلوماسية الإماراتية لدى الأمم المتحدة أن الخطة المصرية غير فعالة وتمنح مجالًا كبيرًا لحركة المقاومة الإسلامية حماس، أي أن الخطة المصرية لا تدعو إلى القضاء على حماس بسحب سلاحها، وتسعى لإقناع واشنطن بجعل استمرار المساعدات العسكرية لمصر مشروطًا بتخلي القاهرة عن خطتها وقبول خطة “الريفييرا” التي طرحها ترامب.
وبحسب مسؤول أميركي لم يُذكر اسمه، فإن “الإمارات لم يكن بإمكانها أن تكون الدولة الوحيدة التي تعارض خطة الجامعة العربية عند الاتفاق عليها، لكنها الآن تسعى لإفشالها بالتنسيق مع إدارة ترامب”.
ويذكر أن مصر تتلقى سنويًا 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية الأميركية، منها 300 مليون دولار مشروطة بقضايا حقوق الإنسان، وقد أشارت إدارة ترامب خلال الشهر ونصف الماضيين إلى أن هذه الأموال ستستخدم كوسيلة ضغط لإجبار مصر – وكذلك الأردن، الذي يتلقى أيضًا مساعدات أميركية تصل إلى نحو مليار و500 مليون دولار سنويا– على استقبال الفلسطينيين الذين تدعو خطة ترامب إلى تهجيرهم يتم طردهم من غزة. وقد حذرت واشنطن مصر أنها ستخفض مساعداتها السنوية في العام 2026 المقبل، إذا لم تقم الحكومة المصرية بتعديل موقفها بشأن تهجير الفلسطينيين بالشكل المطلوب.
كما كشف موقع ميدل إيست آي أن أبو ظبي تضغط على محمد دحلان للإشراف على اللجنة التي تقترحها الخطة المصرية والتي يتعارف عليها باسم لجنة الإسناد المجتمعي التي ستشرف على إدارة القطاع لمدة ستة أشهر تمهيدا ليحل محل محمود عباس رئيسا للسلطة الفلسطينية في مرحلة لاحقة.
ويذكر أن دحلان المفصول من حركة فتح ويعيش في أبو ظبي كمستشار لرئيس الإمارات محمد بن زايد ويحظى بعلاقات أمنية مع مصر وكيان العدوان الصهيوني منذ أن كان يتولى منصب رئيس جهاز الأمن الوقائي في قطاع غزة والذي انتهى وجوده في القطاع بعد ما سمي الحسم في يونيو 2007 وأصبحت حماس سلطة الأمر الواقع في القطاع. وقد أعلن محمود عباس في قمة القاهرة عن خطته للعفو عن كافة المفصولين من حركة فتح وطبعا هذا يشمل بشكل اساسي محمد دحلان.
وعلى الرغم من تحالف مصر والإمارات في عديد القضايا إلا أنهما يدعمان أطرافا متعارضة في الصراع المسلح الداشر في السودان حيث تدعم الإمارات حميدتي قائد قوات الدعم السريع فيما تدعم مصر قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان. وذكرت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية أن حكومة ترامب مستمرة في الضغط على السودان والصومال وحكومة أرض الصومال غير المعترف بها لقبول توطين الفلسطينيين الذين يسعى ترامب ونتنياهو إلى تهجيرهم قسرا.
ومما يعقد الأمر أكثر أن بيتر فام المرشح المتوقع لمنصب مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية يعد من أشد المؤيدين للإمارات واستقلال أرض الصومال حيث تعتبر الإمارات القوة المهيمنة هناك، إذ تدرب قوات الأمن وتتحكم في الميناء الرئيسي عبر شركة موانئ دبي. والأمر المثير أنه في الوقت الذي رفضت كل من السودان والصومال خطة التهجير القسري للفلسطينيين فلم يصدر بعد ما يفيد رفض أرض الصومال لخطة ترامب-نتنياهو.
من جانب آخر ذكر موقع ميدل إيست آي أن الدول الخليجية النفطية الثلاث: السعودية والإمارات وقطر تساهم في تمويل النشاط الاستيطاني اليهودي/الصهيوني في الضفة الغربية المحتلة بوصفهم أكبر المساهمين في شركة إسرائيلية يملكها جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي ترامب، وتمتلك أسهما في شركات متهمة من قبل الأمم المتحدة بالعمل في المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة.
وكانت شركة كوشنر المعروفة باسم أفينيتي بارتنر Affinity Partner قد تلقت مليارات الدولارات من صناديق الثروة السيادية للدول الثلاث منذ عام 2021.



