عبد الحميد كناكري خوجة : عيد النوروز بنكهته الإيرانية الأصيلة
مقالات
عبد الحميد كناكري خوجة : عيد النوروز بنكهته الإيرانية الأصيلة

 

أسواق ومراكز تجارية تغص بالناس علامات الفرح تعبر عنها عفوية إبتساماتهم المرسومة على وجوههم تغمر أفئدتهم البهجة وللسرور مكان في صدورهم.. تعلوا أصوات الموسيقا الشعبية لتضفي أجواء من الفرح والبهجة على المشهد حقا أنه إرث من ناستالوجيا الماضي لعل أبرز عناصره المستخدمة أنه واحد من رموز للسلام والهدوء وبمثابة هدية لطيفة للشعوب الأخرى ستبقى جزءا يحكي عن الهوية الثقافية للمجتمع الإيراني ومن خلال أجواء المحبة والألفة والتماسك التي يتميز بها هذا الشعب المتحضر..

كما أنه أشبه بلوحة منمنمة تعبر عن التقاليد الفارسية الأصيلة التي أهدت البشرية ومنذ نشأتها الكثير من العقول الأدمغة المخترعين والمبدعين على مدى التاريخ وكان لها فضلا على ماتوصلت إليه معظم بلداننا من إختراعات وابتكارات مدهشة كانت سببا للتقدم والإزدهار حتى وقتنا الحاضر

يالها من روعة الصورة حين السير في شوارع وساحات وأزقة العاصمة طهران يوم التحضيرات لهذا اليوم مؤكدة عن تمسك أبناء هذا البلد العريق الضارب جذوره في أعماق التاريخ الذي لم ينضب عطائه بمد جسور التواصل الحضاري بجميع أشكاله لشتى أصقاع الأرض...

بنكهته الإيرانية يجسد عيد النوروز على أرض الواقع لوحات فنية خلابة خصيصا حين زيارة الأسواق التجارية مرورا بالمدن الكبرى..

يوم النوروز هو إحتفال تقليدي يبدأ في اليوم الأول من فصل الجمال والعطاء (فصل الربيع) كما جرت العادة ويصادف في الواحد والعشرين من شهر مارس ويعد واحدا من أقدم الأعياد في التاريخ تحتفل به طهران والعديد من الدول الأخرى

تحضرن به سيدات ونساء إيران الموائد التي تحتوي على سبعة أشياء تبدأ بحرف السين تكثر به الزيارات العائلية وصلة الأرحام التي حث عليها الله في القرآن الكريم يتم تبادل التهاني بين الأهل والجيران والأصدقاء يتذوق به المحتفلون نكهة الطبيعة الغناء حين خروجهم وإقامتهم لحفلات ونشاطات متنوعة مع ارتفاع مؤشر الأسفار السياحية الداخلية والخارجية كما يجدونها فرصة لتجديد العلاقات الثقافية وتمتين الأواصر الإجتماعية أكثر...

لعل الإيرانيون يعتبرون عيد النورز كرمزا للوحدة والتماسك بين الثقافات المختلفة

تم إدراج عيد النورز (عيد الربيع) المعروف كرأس السنة الفارسية الشمسية في عام2010 ضمن التراث الثقافي غير المادي وغير الربحي للبشرية نظرا لعراقته وقيمته التاريخية الكبيرة..

من معانيه السامية أيضا (كيوم إنتصار الخير على الشر) ويعني بالفارسية تلك اللغة العريقة (يوم جديد أو يوم فرح) يحتفل به السواد الأعظم من أبناء الإيرانييون..

تتجدد الطبيعة به بأبهى حلتها ورجعوعا لكتب الحضارة الزرادشتية..

وعيد النوروز عيدا يمتد من التيبت شرقا إلى مصر غربا وحتى إيران وكردستان..

كما أثبت وبرهن العلماء أنه من أقدم الأعياد في التاريخ ومن أشهر الأعياد في تلك البقعة الجغرافية ومنذ آلاف السنين ففي العهد الأخميني والأشكاني والساساني لاسيما أن الحضارة الفارسية العريقة التي كانت رعاياها تمتد من باكستان شرقا حتى العراق وبلاد الشام غربا والطاجيك شمالا وفي صدر الإسلام من خلال الخلافة الراشدة زمن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام إحتفل به بعض المسلمين وقدموا للإمام هدية النيروز وعندما سأل الإمام علي (رض) عنها أجابوا” يا أمير المؤمنين اليوم النوروز“ فرد عليهم قائلا”” إصنعوا لنا كل يوم نيرورا“ وفي رواية أخرى قائلا” نيروزونا كل عام “

وحتى في القرآن الكريم ورد إسم العيد بإسم الفرح من خلال قوله تعالى” قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير منا يجمعون “ (يونس) يسمى العيد لأنه يعود كل سنة بفرح مجدد..

ففي الربيع تنبت الأرض وتخرج المحاصيل قوله تعالى” مما تنبت الأرض من بقلها وفومها وعدسها وبصلها “ (البقرة) فلولا قدرة الله لما نبت الزرع وخرجت المحاصيل فواجب على الناس جميعا شكر الله على نعمه ويفرحوا ويكونوا سببا برسم الإبتسامة على وجوه المساكين ويفرشوا الأرض في فصل الربيع ليستفيد المزارعين ويأكل الفقراء إضافة للتأمل والتفكر والتدبر في خلق الله والبعث حيث وردت العديد من الآيات العطرات التي نصت على التفكر والتأمل والبعث والحديث عن ذلك

الجمال والروعة الربانية يطول ويطول...

وبالعودة للتعبير عن هذا العيد (عيد النوروز) يمكننا التأكيد أنه جزء مهم للدبلوماسية الثقافية كونها تساهم بفتح آفاقا للتواصل الثقافي والفكري مع دول العالم ولاتعد كمجرد عيد في إيران بل هي مناسبة لإظهار تراث ثقافي يعكس قيم المحبة والتسامح والتواصل الإجتماعي هناك وعلى الرغم من مرور عقود طويلة من الزمن لاتزال تحظى بأهمية واسعة هذه الإحتفالات التي تحمل البهجة والفرح مؤكدة استمرارية تدفق التقاليد العريقة التي تربط الأجيال ببعضها البعض...

كاتب وروائي سوري في الغربة