في مصادم الهدرونات الرصاص يتحول إلى ذهب
علوم و تكنولوجيا
في مصادم الهدرونات الرصاص يتحول إلى ذهب
10 أيار 2025 , 15:16 م

لطالما حلم راود الكيميائيين في العصور الوسطى بتحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب خالص، وهو ما عُرف حينها بـ"الكيمياء"، اليوم وبفضل التقدم الهائل في فيزياء الجسيمات، استطاع العلماء في منظمة "سيرن" (CERN) تحقيق هذا الحلم، ولكن بطريقة تختلف كليا عن محاولات العصور القديمة.
في تجربة مذهلة داخل مصادم الهدرونات الكبير (LHC)، نجح الباحثون في إنتاج حوالي 86 مليار نواة ذهبية من نوى الرصاص المسرّعة، وذلك خلال فترة تشغيل المصادم الثانية بين عامي 2015 و2018.
- إنتاج الذهب الذري: الكمية ضئيلة ولكن المعجزة حقيقية
رغم أن الكمية المنتجة من الذهب لم تتجاوز 29 بيكوغراما (أي تريليونيات الغرام)، وأنها لم تستمر إلا لأجزاء من الثانية، فإن الحدث العلمي بحد ذاته يُعدّ إنجازا غير مسبوق في مجال فيزياء النوى.
تم قياس هذا الإنتاج النادر بدقة عبر كواشف متخصصة في تجربة ALICE (A Large Ion Collider Experiment)، والتي استخدمت حساسات ZDCs لعدّ البروتونات والنيوترونات الناتجة من التصادمات شبه المباشرة بين نوى الرصاص.
- كيف يتحول الرصاص إلى ذهب؟ شرح مبسط للظاهرة الذرية
على الجدول الدوري، لا تفصل الرصاص عن الذهب سوى ثلاث وحدات ذرية فقط، إذ يحتوي الذهب على 79 بروتونا، بينما يمتلك الرصاص 82 بروتونا، وبالتالي فإن إزالة ثلاث بروتونات وعدد معين من النيوترونات من نواة الرصاص قد يؤدي إلى تكوّن نواة ذهبية.
لكن القيام بذلك يتطلب طاقة هائلة جدا، لا يمكن تحقيقها إلا داخل مصادم الجسيمات، حيث تتسارع نوى الرصاص إلى 99.999993% من سرعة الضوء، ما يؤدي إلى تشوه المجال الكهرومغناطيسي حولها وتوليد نبضات من الفوتونات القادرة على زعزعة استقرار النواة.
- الزئبق والثاليوم أيضا من نواتج التحولات النووية
لم يتوقف الاكتشاف عند الذهب، فقد رصد الباحثون إنتاج عناصر أخرى نتيجة لفقدان البروتونات والنيوترونات، مثل:
الثاليوم: 81 بروتونا و123 نيوترونا
الزئبق: 80 بروتونا و121 نيوترونا
وبينما يُنتج الثاليوم والزئبق بكميات أكبر، فإن الذهب لا يزال يظهر بمعدل يصل إلى 89,000 نواة في الثانية قرب نقطة تصادم ALICE.
- لماذا هذا الاكتشاف مهم رغم ضآلة الذهب الناتج؟
صحيح أن الكمية المنتجة من الذهب ضئيلة جدًا ولا تدوم سوى لحظات قبل أن تتحطم، إلا أن أهمية الاكتشاف تكمن في إثبات القدرة العلمية على التحكم في التركيب النووي للعناصر، ما يفتح آفاقا لفهم أعمق للتفاعلات النووية النادرة.
وقد علّق عالم فيزياء الجسيمات ماركو فان ليوين من جامعة أوترخت قائلا: "من المذهل أن تتمكن كواشفنا من التعامل مع آلاف الجسيمات الناتجة عن التصادمات، وأيضا اكتشاف التحولات النادرة الناتجة عن تصادمات دقيقة لا تُنتج سوى عدد محدود من الجسيمات."
- إنجاز يفوق أحلام الكيميائيين القدماء
قد لا يُغير هذا الإنجاز الاقتصاد العالمي أو يُنتج ذهبا بكميات تجارية، لكنه يثبت مرة أخرى أن الفيزياء الحديثة قادرة على تحقيق ما كان يُعد مستحيلًا يومًا ما، بل وبأدق المقاييس العلمية الممكنة.
من الرصاص إلى الذهب، ومن الخيال إلى الواقع... العلماء كتبوا صفحة جديدة في تاريخ المادة.

المصدر: SciTechDaily.com