مبروك، عقبال عندنا
مقالات
مبروك، عقبال عندنا
حليم خاتون
26 أيار 2025 , 09:04 ص


كتب الأستاذ حليم خاتون:

قبل خمس وعشرين عاما، اقتحم الجنوبيون والبقاعيون مناطق الشريط الحدودي مع انسحاب جنود الكيان يجرون الخيبة بعد إثنين وعشرين عاما من إقامة حزام أمني بإمرة ما سُمّيَ يومها جيش لبنان الجنوبي تحت قيادة سعد حداد قبل أن يرثه عميل آخر حمل إسم انطوان لحد كان هو أيضا ضابطا من الجيش اللبناني قبل أن ينتهي الأمر به بائع ساندويتشات فلافل داخل فلسطين المحتلة...

أقام سعد حداد دولته بعد انشقاقه عن الجيش اللبناني وساهم إجتياح سنة ١٩٧٨ في خلق أول حزام أمني للدفاع عن الكيان بحراسة جنود وضباط لبنانيين...

سنة ١٩٨٢، بناء على خطط جاهزة قرر أرييل شارون ومناحيم بيغين توسيع هذا الحزام حتى نهر الليطاني شمالا...

تقدم جنود الاحتلال دون أي مقاومة تقريبا حيث هرب مقاتلو الفصائل الفلسطينية المختلفة ومعهم، مقاتلو الحركة الوطنية اللبنانية...

قاتل بعض الأشبال المتواجدين في قلعة الشقيف حتى الشهادة ونفاذ الذخيرة، فقرر شارون الوصول إلى بعبدا وتنصيب قائد القوات اللبنانية آنذاك، بشير الجميل رئيسا للجمهورية، وضم لبنان إلى جمهوريات وممالك الموز العربية التي تدور في الفلك الإسرائيلي...

تم حصار المنطقة الغربية من العاصمة بيروت ومن ثم دخولها بعد قصف وحصار شاركت فيها ميليشيات حزب القوات اللبنانية وحزب الكتائب وتنظيمات فاشية مسيحية متصهينة كان أبرزها ما سُمّيَ يومها حراس الأرز بقيادة المدعو إتيان صقر الذي انتهى لاجئا على أرصفة جزيرة قبرص...

كالعادة، خضع ياسر عرفات ووليد جنبلاط ومحسن ابراهيم للإملاءات الأميركية وركب الفلسطينيون السفن الفرنسية بعيدا عن كل دول الجوار مع فلسطين المحتلة بعد رفض أبو عمار اقتراح الدكتور جورج حبش الاستمرار في القتال وجعل بيروت ستالينغراد العرب...

تمركزت في لبنان قوات المارينز الأميركية، وقوات من المظليين الفرنسيين، وفرقة من الجيش الإيطالي تبين فيما بعد انها جاءت لدعم احتلال لبنان من قبل الجيش الإسرائيلي...

لم يصمد الاسرائيليون اكثر من بضعة أسابيع قبل أن تبدأ جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية "جمول" القيام بعمليات استهداف الاحتلال...

بدأت الطلقة الأولى مع المناضل خالد علوان من الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي أردى ضباطا كانوا يحتسون القهوة في مقهى الويمبي في منطقة الحمرا؛ ثم توالت العمليات مع تفجير مقاومة منبثقة من عدة مجموعات إسلامية لمركزي المارينز والمظليين الفرنسيين...

ما لبث الكيان أن هرب عائدا إلى الحزام الأمني، خاصة بعد عملية الشهيد أحمد قصير الذي فجر نفسه بسيارة تحمل كمية من المتفجرات ما أدى إلى قتل أكثر من سبعين جنديا وضابطا إسرائيليا...

استمرت العمليات داخل الحزام تحت قيادة حزب الله إلى أن رأى الكيان أن لا جدوى من البقاء وتلقي الخسائر الكبيرة معولا على بقاء جيش لحد لزرع فتنة بين ميليشيات مسيحية والمقاومة التي غلب عليها الطابع الشيعي...

تحقق هذا التحرير وتم تكريس يوم *المقاومة والتحرير* في ٢٥ أيار من كل سنة للإحتفال بهذا اليوم...

٢٥ أيار سنة ٢٠٠٠، كانت سوريا بلدا مقاوما، وداعما أساسيا للبنان إلى جانب الجمهورية الإسلامية في إيران...

يومها ردد الكثير من الفلسطينيين التبريكات مع الدعاء أن يأتي دور التحرير للمقاومة الفلسطينية...

يومها كان الأمل كبيرا...

يومها لم تكن الكثير من القوى قد أضاعت البوصلة...

حاول العدو الصهيوني ومعه أميركا ودول الغرب والعرب استعادة الهيبة وقوة الردع سنة ٢٠٠٦، فأصيب بفشل ذريع كرس هزيمة سنة ٢٠٠٠...

خرج السيد الشهيد حسن نصرالله يحتفل بنصر تموز ويهدي لبنان هذا الانتصار العظيم...

خرج الرئيس السوري بشار الأسد الذي كان شريكا بهذا الانتصار يبارك للبنانيين واصفا زعماء العرب الذين تحالفوا سرا مع العدو الصهيوني بأشباه الرجال...

في اليوم التالي بدأ التحضير للانتقام من حزب الله ومن النظام السوري...

نُوديَ على أمير قطر وعلى السعودية وتركيا وتم تعيين بندر بن سلطان على رأس غرفة عمليات هذا الإنتقام...

بغباء منقطع النظير، شارك قسم كبير من حركة المقاومة الإسلامية حماس في هذه المؤامرة تحت شعارات الفتنة السنية الشيعية في المنطقة...

مع اندلاع الحرب الكونية على سوريا، خرج خالد مشعل في غزة يحيي ما أسماه يومها الثورة السورية ويلوّح بعلم سوريا لفترة الانتداب الفرنسي بينما كان جهابذه الحركات الإسلامية يدوسون على صور بشار الأسد والسيد حسن نصرالله وعلم الاستقلال السوري...

شارك مقاتلوا حماس في المعارك ضد الدولة السورية التي كانت بعد غزو العراق قد رفضت الخضوع للأوامر الأميركية بإقفال مكاتب الفصائل الفلسطينية وطرد المناضلين الفلسطينيين من دمشق...

في ١٧ سبتمبر ٢٠٢٤ بدأ العدو الصهيوني بتنفيذ خطة الانتقام من حزب الله عبر تنفيذ عملية تفجير أجهزة ال pagers ثم أجهزة ال walky/talky في اليوم التالي لتعقبها في الرابع والعشرين من نفس الشهر حوالي ١٦٠٠ غارة جوية في ٢٤ ساعة شارك فيها العدو الصهيوني طائرات من الناتو وبالأخص من القواعد البريطانية في جزيرة قبرص وتم تركيز عشرات أقمار التجسس التابعة لحلف الناتو لمراقبة ومتابعة حركات المقاومة الإسلامية في لبنان...

في السابع والعشرين من نفس الشهر نجح حلف الناتو في تحديد موقع السيد حسن نصرالله واستهدفه بقنابل زنة ٢٠٠٠ رطل خارقة للتحصينات والأعماق استطاعت الوصول إلى الطابق الرابع عشر تحت الارض حيث تم رمي ثمانين طن من المتفجرات على ذلك المركز...

بعد اغتيال السيد نصرالله وخليفته السيد هاشم صفي الدين، أعطيت الأوامر لتركيا وقطر البدء بتنفيذ المرحلة السورية من المخطط...

كانت قطر قد اشترت معظم ضباط الجيش السوري الذين اصدروا الأوامر لرمي السلاح وعدم الدفاع امام التنظيمات التكفيرية المتحالفة مع إسرائيل...

تم رشوة تركيا عبر التعهد بحل حزب العمال الكردستاني ال PKK، كما تم رشوة روسيا بالتعهد بالتوقف عن دعم أوكرانيا...

سقط بشار الأسد...

سارع خالد مشعل إلى مباركة الثورة في سوريا...

وصلت برقية من إحدى كريمات الشهيد اسماعيل هنية إلى أبو محمد الجولاني تقول حرفيا:

"مبروك، عقبالنا"...

بعد أقل من ستة أشهر على استيلاء التكفيريين على دمشق، تم إقفال مكاتب الفصائل الفلسطينية ونزع سلاح المقاومة الفلسطينية والسيطرة على كل قواعد التدريب التي كانت تخرج المقاتلين الفلسطينيين...

تم سجن كل الذين كانوا ينسقون عمليات تهريب السلاح إلى الضفة الغربية وغزة...

تم اعتقال أمين عام الجبهة الشعبية / القيادة العامة طلال ناجي لمدة ست ساعات أُخضع فيها للتحقيق مع فريق من الموساد في مركز الأمن العام السوري ما أدى على ما يبدو الى تسليم مقتنيات العميل الإسرائيلي المصري المولد، اليهودي الديانة كامل امين تابت (إيلي كوهين)...

أعاد نظام الجولاني رفات قتلى العدو في معركة السلطان يعقوب سنة ٨٢ دون أن يتم إطلاق أي جثمان شهيد فلسطيني او القيام بأي مبادلة!

وافق أبو محمد الجولاني على تطبيع العلاقات مع العدو الصهيوني والدخول في الاتفاقيات الإبراهيمية دون حتى الحديث عن الوجود الإسرائيلي الذي بات لا يبعد أكثر من ١٨ كلم عن دمشق بينما يخضع ريف درع، وحتى المدينة نفسها لسيطرة إسرائيلية مباشرة بينما تخضع كل سوريا لسيطرة إسرائيلية غير مباشرة...

لا خالد مشعل اعتذر عن مواقفه المذهبية المقيتة...

ولا كريمة الشهيد هنية...

ولا عزمي بشارة ينبس بكلمة بعد كل المصائب التي شاركوا جميعا بصنعها، والتي جعلت من الكيان الصهيوني إمبراطورا على كل الشرق الأوسط...

"مبروك"... على ماذا؟

وهل يريدون فعلا أن تكون "عاقبالنا"...

بئس أمة أُخرجت للناس....

المصدر: موقع إضاءات الإخباري