عبد الحميد كناكري خوجة: ”سلطة رابعة رائعة...أم أبواق خاضعة راكعة...“
مقالات
عبد الحميد كناكري خوجة: ”سلطة رابعة رائعة...أم أبواق خاضعة راكعة...“


لاأكتب من برج عاجي ميتافيزيقي، ولاأتنفس في قمقم تنظيري خارج التاريخ...بل من قلب الجرح، من رحم الميدان، من خندق ابيستملوجي غارق في طين المعمعة، المعركة، ساحةالوغى...ضد عدو ضغى وبغى...حيث الملاقاة...حيث الحقيقة تجلد بالبيكسل، ويداس على الضمير تحت سنابك ال” سوشيو- بوليتكال بروتوكولات“.

نعم، هناك إعلام يدهشك خطابه، ويربك بصيرتك...لا لأنه عميق، في حقيقته ومن وجهة نظري هو ” نهيق“ بل لأنه مدرب على خلط الأدلة، وتزيف السرديات، وتغليف النكبة بورق السلوفان الخطابي. منصات تتمايل وترقص على جراح الشعوب، تتقن ” السيميولوجية المعكوسة“ وتبث سمومها بجرعات ” نيوترالية“ مدروسة، حتى يغدو المجرم مظلوما، والمحتل الغاصب شريكا في السلام. لست هنا في ساحة تشهير،

ولا أؤمن بمنطق الجلد الجماعي...لكنني ألوح بإشارة لاتخطئها البصيرة، نحو تلك الأبواق التي باعت ” الكود الأخلاقي“ للصحافة أو إشترت بثمنه شهادة ”إعتماد دولي“ من لوبيات أعمتها المصالح الجيوسياسية.

هم أنفسهم من جعلوا من غزة العزة مجرد عنوان فرعي، ومن جثث وأشلاء الأطفال مقاطع عابرة، تبث بعد نشرة الإقتصاد، ويتلوها تقرير عن الميتاڨيرس. هم أنفسهم من فرغوا الكاميرا من وظيفتها التوثيقية وجعلوها عدسة إنتقائية تحذف الألم، وتحمل السفاح عوض الحلال من نكاح، فأي إعلام هذا؟ هذا مايرضي ويروق لجهابذة الإستعمار والإستدمار ولأولائك المغضوب عليهم في كتاب طاهر مبارك عظيم.

أي إعلام هذا؟ أهو سلطة رابعة...أم واجهة لسلطة أولى تتقن فن التلون والتمويه كالحرباء؟ هنا المفارقة أن هاؤلاء لايعترفون بانحيازهم...فهم ”مهنيون“ بزعمهم، لكن المهنية عندهم مبرمجة وفق خوارزميات الدعم السياسي ، ينشرون ” التحليل“ ويحقنون الرأي العام ب ” السرد المدجن“ ويختزلون الخراب والدمار في كلمات مختارة بعناية من قاموس ” الا فعل النظيف“

أيتها المنصات المتذاكية...يانواطق الحياد المفخخ...المتاجرون بالحياد المدبر...

أيتها الشاشات المتأنقة بالزيف، والمتسربلة بثياب المهنية المأجورة ...

ياأبراج البث المغشوش، التي تجيد فن التلوث والتلون والخداع أكثر مما تجيد قول الحقيقة ونقلها بضمير وشرف المهنية الصحيفة...

إننا لا نخدع بال”بلاي باك“ المصقول، ولانرتبك أمام ديكورات الستديوهات الفاخرة...أقلامكم ستشهد عليكم...أمام ضمير الأمم في الدنيا، و أمام الله في الآخرة...وماكتبت أياديكم، سيقرأ وسيتلى عليكم وعلى مسامعكم.

فالتاريخ لن يصفح لأصوات تواطأت بالصمت، وأصوات تواطأت بالصدى.

أذكركم: أن الله لايخطئ في ميزان عدله، وأن ماتقترفونه من فجور إعلامي هو إثم وبهتان عظيم، سيشهد عليه أرشيف الذاكرة الجماعية، لا خوادمكم المشرفة.

لست ضد الإعلام، بل أنا فارس الإعلام وعلم الإعلام وسيد وعنبر المنبر وخصم من جعلوه مجمرا للفتنة أو مذبحا للحقيقة التي أجعلها وسأبقيها تلمع وتسطع كاللؤلوة والألماسة والعقيقة. ومع كل ذلك...لاتزال هناك أصوات، حرة كالضوء في دجى الليل ، وكالجذوة المتقدة الدالة على بزوغ فجر الإنتصار وكالبدر ليلة الإكتمال. نعم وألف نعم هناك أصوات حرة، سامقة، كالمبدأ ، تنقش بحبر ومداد النضال لابحبر ال” سبونسر“...أقلام وريش عفيفة طاهرة نظيفة تناضل من متاريس الحقيقة، لا من كواليس المؤتمرات التي تخفي في خفاياها وبين طيات صفحاتها ”المؤامرات“. فما بين الرائع والراكع، تقاس المسافة لا بالأمتار...بل بمقدار الخيانة أو الوفاء, نعم الوفاء للإنسان، للوطن، لجيش الوطن، لتراب الوطن، لهواء الوطن، لحجره، لشجره، وبشره، لركعه، لرتعه و لرضعه.

وبكلمة أخيرة دون تمدد لحريتي ودون إسهاب، وبكل فخر واعتزاز وبكل رجولة وشهامة

سأبقى فارس من فرسان الإعلام وعلم من أعلامه” علم الإعلام و بالرغم من أنوف خفافيش الظلام“

مفكر باحث محلل سياسي وإعلامي سوري في الغربة

المصدر: موقع إضاءات الإخباري