ظلت آلام الظهر المزمنة تمثل تحديا مستمرا في الطب الحديث، حيث اعتمدت العلاجات التقليدية على المسكنات والنصائح العامة، مما أدى إلى نتائج مؤقتة وغير مضمونة. ولكن اليوم، يكشف العلم عن علاج نفسي فعّال يقدّم أملاً حقيقياً للمرضى.
- التركيز على العامل النفسي: نقلة نوعية في علاج الألم
يعمل الباحثون حاليا على تطوير علاجات نفسية وسلوكية تستهدف الجوانب العقلية للألم المزمن، بعيدا عن المسكنات أو التدخلات الجراحية، وفي هذا السياق كشفت دراسة حديثة أجرتها جامعة ماكواري في سيدني، أستراليا أن العلاج الوظيفي المعرفي (CFT) يمكنه تخفيف آلام الظهر المزمنة وتحسين جودة حياة المرضى لمدة تصل إلى 3 سنوات.
- تفاصيل الدراسة: مقاربة نفسية فعالة وآمنة
الدراسة التي نُشرت في مجلة "لانسيت لطب الروماتيزم"، شملت أكثر من 1000 مريض يعانون من آلام أسفل الظهر، وقُسم المشاركون إلى ثلاث مجموعات:
1. مجموعة الرعاية الاعتيادية: تلقت علاجات تقليدية تشمل المسكنات ونصائح إدارة الألم.
2. مجموعة العلاج الوظيفي المعرفي (CFT): ركزت على تعديل الأفكار والسلوكيات المرتبطة بالألم.
3. مجموعة CFT مع التغذية الراجعة الحيوية (Biofeedback): أُضيفت تقنية تعليم التحكم في وظائف الجسم التلقائية.
من بين المشاركين، استمر 300 شخص بمتوسط عمر 48 عاما حتى المتابعة النهائية بعد 3 سنوات.
- نتائج مبهرة: فعالية واضحة وتحوّل إيجابي
أظهرت النتائج أن العلاج الوظيفي المعرفي كان الأكثر فعالية في تقليل القيود الحركية وشدة الألم الناتجة عن آلام أسفل الظهر المزمنة مقارنة بالرعاية الاعتيادية، كما تبيّن أن التحسن استمر لفترة طويلة وصلت إلى 3 سنوات.
أما بالنسبة للمجموعة التي استخدمت تقنية التغذية الراجعة الحيوية، فلم تُلاحظ فروق ذات دلالة إحصائية مقارنة بمجموعة CFT وحدها، مما يشير إلى أن إضافة هذه التقنية لم تعزز فعالية العلاج بشكل ملحوظ.
- ما يميز هذا العلاج: استدامة النتائج وانخفاض المخاطر
أكد الباحثون أن العلاج الوظيفي المعرفي يمثل تدخلاً منخفض الخطورة وعالي القيمة، ويتميز بقدرة على تعزيز تحكم المريض في ألمه من خلال فهم العلاقة بين أفكاره ومشاعره وسلوكياته، مما يجعله بديلاً آمناً وفعّالا عن المسكنات أو العلاجات المكلفة.
- نحو مستقبل علاجي أفضل للآلام المزمنة
تسلّط هذه الدراسة الضوء على أهمية معالجة الألم المزمن من منظور نفسي وسلوكي، وتفتح المجال أمام استراتيجيات علاجية جديدة تقلل من الاعتماد على الأدوية، وتحسّن الحياة اليومية للمرضى على المدى الطويل.