مقالات
"الهيمنة الأمريكية في غرب آسيا ومفهوم السلطة المتجدد
محمود موالدي
23 آب 2025 , 19:19 م


تعتبر غرب آسيا منطقة حيوية واستراتيجية في السياسة العالمية، حيث تتشابك المصالح الاقتصادية والسياسية والعسكرية لتشكيل مشهد معقد الذي يُؤثر على استقرار المنطقة.

في هذا السياق، تبرز الهيمنة الأمريكية كقوة مؤثرة في المنطقة، وتتجلى في مفهوم "السلطة المتجددة" الذي يُستخدم لوصف الأنظمة السياسية التي تُشكلها الولايات المتحدة لخدمة مصالحها.

إن مفهوم السلطة المتجددة يشير إلى الأنظمة السياسية التي تُصممها الولايات المتحدة لتعزيز مصالحها في غرب آسيا. وتؤمن راحة استراتيجية وأمنية للكيان الصهيوني كونه جبهة غربية متقدمة في المنطقة، هذه الأنظمة غالبًا ما تُشكل من خلال دعم الولايات المتحدة لأنظمة سياسية معينة أو من خلال التدخل العسكري المباشر. الهدف من هذه السياسات هو ضمان استمرار الهيمنة الأمريكية في المنطقة وتحقيق المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة.

تتجلى الهيمنة الأمريكية في غرب آسيا من خلال عدة آليات، منها:- الدعم العسكري والاقتصادي لأنظمة معينة: تُقدم الولايات المتحدة الدعم العسكري والاقتصادي، بهدف تعزيز استقرارها وتأمين مصالحها.

التدخل العسكري: تُستخدم القوة العسكرية الأمريكية لتحقيق أهداف سياسية معينة، مثل الإطاحة بأنظمة غير موالية للولايات المتحدة أو تعزيز وجودها العسكري في المنطقة.

التأثير السياسي: تُمارَس الولايات المتحدة تأثيرًا سياسيًا كبيرًا في غرب آسيا من خلال دعمها لأنظمة سياسية معينة أو من خلال الضغط على حكومات المنطقة لتحقيق مصالحها.

إلا أن آثار الهيمنة الأمريكية في غرب آسيا عواقب كارثية على استقرار المنطقة وأمنها، حيث تُؤدي إلى: توترات إقليمية وانعكاسات هذه التدخلات على اقتصاد المنطقة وبالتالي تهميش الشعوب حيث تُفرض عليها أنظمة سياسية لا تعبر عن إرادتها الحقيقية. بما يفتح الباب الواسع لتعزيز التطرف والشعور الدائم بالظلم واستشراف الإحباط، وإشعال فتيل التوترات على مسرح الأوطان..."

في سوريا مثلاً، فإن الطريقة التي تم بها استغلال مطالب الشعب للتغيير الديمقراطي كانت كارثية بما أتت به على المكانة التاريخية والحضارية لسوريا. التدخلات الخارجية بقيادة الولايات المتحدة وبمشاركة تركيا وموافقة إسرائيل أدت إلى حالة من التدمير والفوضى المنتظرة من خلال غزوات الجماعات الإسلاميوية التكفيرية بمشاركة المرتزقة الأجانب، دون تقديم أي بديل ديمقراطي حقيقي للنظام السابق.

تم التخطيط وتنفيذ ذلك لتمرير مشروع تدخل خارجي تتداخل به مصالح أميركية تركية إسرائيلية وقطرية، أدى إلى تدمير البلاد من خلال الغزوة الإسلاموية، بدلاً من تحقيق مطالب الشعب المشروعة من خلال تغيير ديمقراطي حقيقي بمشاركة قوى المعارضة الوطنية الديمقراطية التي يتم تغييبها اليوم كما الأقليات أيضًا غير السنية في منهج طائفي انتقامي تغيب العدالة والمساواة عنه.

هذه التجربة تعكس تمامًا مفهوم السلطة المتجددة من خلال "سوريا الجديدة"، حيث يُعاد تشكيل النظام بطريقة تحقق المصالح الأميركية بل والإسرائيلية على حساب الشعب السوري. النتيجة ستكون دولة ممزقة، مجتمعات متفككة، وشعب يبحث عن أدنى مقومات الحياة في وقت ستقوم فيه الولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل كل من جهتها على انتهاك سيادة الأراضي السورية ووحدتها، الأمر الذي يتم الآن بوصول قوات الاحتلال إلى نقاط قريبة من دمشق، والاستحواذ على مقدراتها من النفط والمياه والغاز، فتتغير الوصاية على سوريا ويتم تحييد دورها المفترض في إطار مجموعة الدول العربية بشأن فلسطين.

السلطات المتجددة كأداة للهيمنة

يظهر مفهوم "السلطة المتجددة" كأداة تستخدمها الولايات المتحدة لإعادة صياغة الأنظمة السياسية في الشرق الأوسط بما يخدم مصالحها.

فمن فلسطين إلى لبنان وسوريا والعراق وغيرهم من الدول، يمكن ملاحظة النمط ذاته، دعوات غربية للتغيير، ضغوط سياسية واقتصادية، وفوضى تحصد الشعوب نتائجها كما يجري في السودان وما جرى في اليمن.

إن الحديث عن "السلطة المتجددة" ليس سوى إعادة إنتاج لسياسات الهيمنة القديمة بحلة جديدة. ما تحتاجه الشعوب العربية ليس تغييرًا يُملى عليها من الخارج، بل مسارات حقيقية للتغيير الديمقراطي تنبع من إرادة الشعب ذاته، وبقرار وطني مستقل لا شأن لأحد به سوى شعب كل دولة، وتحافظ على سيادة ووحدة أراضيه وحقوقه وتمارس فيه حقوق الشعوب الأساسية بتقرير المصير والانتخابات الحرة النزيهة باعتبار الشعوب مصدر السلطات.

محمود موالدي

المنسق العام للهيئة التأسيسية المؤقتة

لحزب التحرر الوطني في سوريا

المصدر: موقع إضاءات الإخباري