عدنان علامه - عضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين
يشكل السابع من أكتوبر 2023 الجرح الأمني والسياسي الأكبر في تاريخ الكيان المؤقت . غير أن ما يثير الريبة أكثر من الهجوم نفسه، هو إصرار نتنياهو على منع تشكيل لجنة تحقيق رسمية، رغم ضغط المعارضة بقيادة يائير لابيد، ورغم تأييد 53% من الإسرائيليين وفق استطلاع القناة 13.
فالتهرب من التحقيق لم يكن مجرد مناورة سياسية، بل قرار مدروس لإخفاء جرائم مباشرة تورط بها نتنياهو وجيشه.
1-بروتوكول هنيبال: قتل الإسرائيليين بدل أسرهم
فأخطر ما يخشاه نتنياهو هو كشف تفعيل بروتوكول هنيبال، الذي يجيز قتل الجنود والمستوطنين إذا كانوا في خطر الأسر في حفل نوفا الموسيقي قرب مستوطنة ريعيم؛ حيث شارك أكثر من 4000 شخص، وأكدت شهادات وتحقيقات عبرية أن أحد المقاومين هبط بمظلته الشراعية على حدود الحفل، ولم يطلق رصاصة واحدة على الحشود، بل أقترب منهم بهدوء وسأل عن الطريق إلى مستوطنةریعیم.
ورغم ذلك، قُتل 364 مدنيًا برصاص الطائرات والدبابات الإسرائيلية التي فتحت النار عشوائيًا، ما يجعل المسؤولية الإسرائيلية أوضح من أي وقت مضى.
2- قصف داخلي لتضليل الرأي العام
لم يكتف نتنياهو بتفعيل بروتوكول هنيبال، بل أصدر أوامر مباشرة بتدمير مركز شرطة سديروت تدميرًا كاملًا بحجة وجود "مُخَرِبَين" لا وجود لهما، وأمر دبابة بقصف بعض منازل داخل المستوطنة ذاتها، ثم نسب المجزرة إلى الفلسطينيين. هذه الأوامر وثقتها تقارير صحفية عبرية، بينها تسريبات أولية نشرتها هآرتس بعد مرور 42 يومًا على الهجوم.
3- تحقيقات عبرية تكشف التخبط
القناة 12 العبرية أكدت أن الجيش والشرطة تبادلا الاتهامات حول التأخر في الاستجابة للحفل، وأن الطائرات المروحية استهدفت كل من تحرك دون تمييز. أما صحيفة معاريف فكشفت عن جلسات عاصفة داخل قيادة الأركان، حيث اتُهم نتنياهو بالتضليل وإصدار أوامر متسرعة، لتغطية تقصيره في جمع المعلومات الاستخبارية.
بل إن بعض الجنرالات المتقاعدين شبّهوا ما جرى بـ"كارثة كيبوتس معالوت" حين قتل الجيش رهائن إسرائيليين بنيرانه في السبعينيات.
4- إصرار على دفن الحقيقة
المعارضة، بقيادة يائير لابيد، أكدت أن نتنياهو يمنع التحقيق لأنه يعلم أنه المسؤول الأول؛ وقال لابيد بوضوح: "لو لم يكن نتنياهو يعرف مسؤوليته عن الكارثة، لما بذل كل هذا الجهد لمنع لجنة تحقيق رسمية." ومع ذلك، يواصل نتنياهو إلقاء اللوم على قادة الجيش والأمن العام "الشاباك"، بينما يرفض تحمل أي ذرة من المسؤولية.
5- الخاتمة: نتنياهو أمام شبح "فينوغراد" و"أغرانات"
تاريخ إسرائيل مليء باللجان الوطنية التي حاسبت قادة كبارًا بعد الإخفاقات الأمنية.؛ فلجنة "أغرانات" في أعقاب حرب أكتوبر 1973 أطاحت بالقيادة العسكرية، ودفعت جولدا مائير إلى الإستقالة.
فيما حمّلت لجنة "فينوغراد" عام 2006 المسؤولية لقيادات سياسية وعسكرية ، بعد حرب لبنان الثانية. أي أن سابقة تشكيل لجان تحقيق رسمية قائمة، بل وتعتبر جزءًا من "ثقافة المحاسبة" التي يتغنى بها الإسرائيليون.
لكن نتنياهو اليوم يرفض هذا المسار، لأنه يعلم أن لجنة مشابهة ستكشف أنه لم يكن مجرد قائد فاشل، بل شريك مباشر في أكبر عملية قتل جماعي للَمستوطننين بنيران الجيش. لذلك يقاتل بكل الوسائل لإبقاء الستار مسدولًا على أحداث 7 أكتوبر، حتى لو اضطر إلى التضحية بما تبقى من ثقة الداخل والخارج به.
فإن هروب نتنياهو من لجنة التحقيق لا يغيّر الحقيقة: لقد خط بيديه توقيعًا دمويًا على كارثة لم يعرف الإسرائيليون لها مثيلًا؛ وهو يدرك أن أي كشف كامل سيعني سقوطه سياسيًا، وربما محاكمته جنائيًا كقاتل لشعبة بدم بارد كما استمر ويستمر في إبادة الشعب الفلسطيني.
وإنَّ غدًا لناظره قريب
03 أيلول/سبتمبر 2025