عبد الحميد كناكري خوجة: العوائد والموارد...رهائن في حضن الشيطان المارد.
مقالات
عبد الحميد كناكري خوجة: العوائد والموارد...رهائن في حضن الشيطان المارد.


( إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون) الأنفال: 36

حين تتحول العوائد إلى قيود، وتصبغ الفوائد بألوان الوهم، يصبح المقدس في ظاهر من نور، لكنه في باطن من نار، هناك حيث تستبدل المعاني بالفوائد، والبركة بالمضاربة، والمناسك بالمسالك، لينكشف المشهد عن طاغوت مارد يتغذى من الطهر كما يتغذى الجلاد من الصبر.

مقدمة ثانية:

في زمن غابت فيه البصائر، وارتبكت في الضمائر، إنقلبت البركة إلى برق خاطف لايبصر منه سوى بريق المال، وتحولت العوائد والفوائد من شعيرة تقيم الروح إلى صفقة تقيم السوق، حتى غدت الأيادي التي كان ينبغي أن تحمل التقى، تحمل دفاتر الحساب ودفاتر الولاء.

هكذا يساق المقدس في مواكب دنيوية، تزف إلى حضن الطاغوت المارد ، حيث تستنزف الخزائن باسم العبادة، وتشترى المواقف باسم السيادة. فلا المقاصد بقيت مقاصد، بل أحيلت إلى مقاصف الطغيان، ولا المواسم ظلت مواسم، بل صارت مواسم الجباية والهيمنة. فلا المدار مدارا للروح، بل مسارات للريع، ولا الدائرة دائرة ذكر، بل حلقة صفقات وولاء.

في السيميولوجية السياسية لهذا الزمان، لاشيئ أبين من مفارقة دامية: مناسبات رحمانية تتحول إلى معادلات ربحية، ومواسم روحانية تختزل في جداول محاسبية. في ظاهرها تقوى، وفي باطنها قوى، وفي سطحها شعيرة، وفي عمقها صفقة. وهنا يستيقظ السؤال القرآني:

( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) الجاثية 23

الطاغوت المارد لايرى وجها، بل يلتمس أثرا. إنه باراديغم الإستلاب: من الترفيه المبرمج إلى الإعلام المدجن، من المال الموشى بالقداسة، إلى الخطاب الموشى بالحداثة.

وهكذا تتحول الروح إلى سلعة، والوجدان إلى وديعة، والهوية إلى ورقة تفاوض.

لكن التاريخ يعلمنا أن الفوائد المصطنعة زبد يذهب جفاء، بينما العوائد الأصيلة تمكث في الأرض. فما كان للمال أن يعيد للأمة بوصلة، وما كان للتجارة أن تصوغ لها عقيدة. وحدها الدماء الحرة والأنفاس الصابرة هي التي تحسم موازين الحق، وتفضح زيف الباطل، وتؤسس بجينولوجيا التحرر. إن الصراع ليس بين موارد ومصادر فحسب، بل بين أصالة وزيف، روح ومسرح، طهر ووهم. فما بين موسم يستنزف وموسم يستنهض، يظهر الفارق بين من يعبد الحقيقة ومن يسجد للوثن.

وفي الختام، فإن الموازيين ليست في جداول الحساب بل في قوانين السنن.

(فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ماينفع الناس فيمكث في الأرض) الرعد: 17

مفكر محلل سياسي وإعلامي سابق في الغربة