يشعر معظم الناس أحياناً بإحساس غريب ومربك بأن الموقف الحالي قد حدث من قبل، رغم التأكد من أنه لم يحدث، هذه الظاهرة المعروفة باسم الديجافو (Déjà vu) والتي تعني بالفرنسية "شوهد من قبل"، حيّرت العلماء لسنوات طويلة. لكن الأبحاث الحديثة تكشف أن الأمر ليس متعلقاً بالخرافات أو السفر عبر الزمن ، بل هو نتيجة مباشرة لآليات دقيقة ومعقدة في عمل الدماغ والذاكرة.
ما هو الديجافو؟ ولماذا نشعر به؟
يؤكد العلماء أن ما يقرب من 70% من البشر مرّوا بتجربة الديجافو مرة واحدة على الأقل في حياتهم.
ووفقاً للبروفيسور سام بيركوفيتش، عالم الأعصاب الإكلينيكي من أستراليا، فإن الديجافو ظاهرة طبيعية تمثل نوعاً من "خداع الذاكرة". ببساطة، يختبر الدماغ لحظة من الالتباس بين ما هو جديد وما يبدو مألوفاً، مما يخلق ذلك الشعور الغامض.
علاقة الديجافو بالصرع والذاكرة
أثناء دراسة مرضى الصرع، لاحظ العلماء أن الشعور القوي بالديجافو قد يكون مؤشراً مبكراً لنوبة صرعية. ويرتبط ذلك بوجود نشاط كهربائي في منطقة الحُصين (Hippocampus)، المسؤولة عن تكوين الذكريات.
وقد تمكن الباحثون من إثارة هذا الشعور اصطناعياً من خلال تحفيز هذه المنطقة في الدماغ. هذا الاكتشاف يشير إلى أن حتى لدى الأشخاص الأصحاء، يمكن أن تحدث نبضات كهربائية بسيطة تؤدي إلى الإحساس بالديجافو.
الجانب النفسي: "الحاسة السادسة" أم خداع الدماغ؟
من زاوية علم النفس، يرى الباحثون أن الديجافو قد يكون مرتبطاً بقدرة العقل اللاواعي على التقاط تفاصيل دقيقة لا يدركها الوعي مباشرة.
في تجربة علمية، عُرضت صورتان متشابهتان مع تغييرات طفيفة على مجموعة من المشاركين. ورغم أنهم لم يتمكنوا من تحديد الاختلاف بدقة، إلا أنهم شعروا بوجوده. هذا يدل على أن ما يُسمى بـ"الحاسة السادسة" ليس إلا استجابة الدماغ لمعلومات مخزنة بشكل غير واعٍ.
كيف يفسر الدماغ الديجافو؟
تُظهر دراسات التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) التي أجراها عالم النفس أكيرا أوكونور من جامعة سانت أندروز، أن الديجافو يرتبط بتنشيط الفصوص الأمامية في الدماغ، المسؤولة عن حل التناقضات في الذاكرة.
بمعنى آخر، يحدث الديجافو عندما يحاول الدماغ التوفيق بين ذاكرة وهمية وتجربة حقيقية جديدة، مما يولد هذا الإحساس الغريب.
تكشف الأبحاث أن الديجافو ليس ظاهرة خارقة أو لغزاً غامضاً كما يظن البعض، بل هو نتاج لعمليات دماغية معقدة تتعلق بالذاكرة والإدراك. إنه مجرد دليل إضافي على مدى روعة وتعقيد عقل الإنسان، الذي لا يزال يخفي الكثير من الأسرار.