كشفت دراسة حديثة أجراها فريق بحثي من جامعة بون (University of Bonn) أن السمنة المفرطة تُسرّع من شيخوخة الرئتين وتؤثر سلبا على بنيتها ووظيفتها.
قاد البحث البروفيسورة فيرونيكا لوكاش-كورنيك (Veronika Lukacs-Kornek) من مركز التميّز في المناعة "ImmunoSensation²" ومعهد الطب الجزيئي والمناعة التجريبية (IMMEI) في المستشفى الجامعي بون (UKB).
نُشرت نتائج الدراسة في مجلة Cell Reports العلمية المرموقة.
كيف تغيّر السمنة بنية الرئتين؟
أظهرت الدراسة أن السمنة تُعيد تشكيل المصفوفة خارج الخلية في الرئتين — وهي البنية البروتينية التي تمنح الرئتين شكلها وثباتها.
تشبه هذه التغيرات تلك التي تحدث عادة مع التقدم في العمر، ما يشير إلى أن زيادة الوزن قد تجعل الرئتين "تشيخان" مبكرا حتى قبل بلوغ الشيخوخة الطبيعية.
تحليل متكامل للبروتينات والدهون والجينات
استخدم الباحثون تقنيات متعددة التخصصات (multi-omics) لتحليل البروتينات والدهون والجينات في آن واحد، إلى جانب التصوير المجهري المتقدم والتجارب الوظيفية لفهم كيفية عمل الرئتين في حالات السمنة.
شمل البحث مقارنة بين رئات فئران بدينة ونحيفة، إلى جانب تحليل الخلايا الضامة والنسيج الضام البشري في الرئة، ما مكّن العلماء من تتبّع التغيرات الجزيئية والوظيفية معا.
تراكم الدهون في خلايا الرئة وتراجع المرونة
في حالات السمنة، أظهرت الدراسة أن الخلايا الليفية الرئوية (lung fibroblasts) — وهي خلايا النسيج الضام — تتراكم فيها الدهون بشكل غير طبيعي، وتصبح أكثر حركة وتُظهر علامات مبكرة للشيخوخة الخلوية.
في الوقت ذاته، تتغير المصفوفة الخلوية (matrisome)، وهي الهيكل الداعم للرئة، ويحدث اختلال في توازن مثبطات البروتياز، مما يقلل من مرونة أنسجة الرئة.
تُعد هذه التغيرات تفسيرا علميا محتملاً لارتباط السمنة بصعوبات التنفس وضيق النفس.
اللافت أن هذه التبدلات تشبه تماما تلك التي تُلاحظ عادة لدى كبار السن، ما يدعم فرضية أن السمنة تسرّع الشيخوخة البيولوجية للرئتين.
تحليل نسيج معقّد التركيب
أوضح الفريق البحثي أن أحد أكبر التحديات كان تحليل النسيج الضام المعقد للرئتين، والمعروف باسم اللحمة الليفية (fibroblastic stroma)، والذي يتكون من أنواع خلايا متعددة.
كما أن المصفوفة خارج الخلية تُعد من أصعب الهياكل للدراسة، بسبب عدم ذوبان بروتيناتها وتعقيد تركيبها البنيوي، مما يتطلب تقنيات متقدمة ودقيقة لفهم طبيعتها.
السمنة خطر يتجاوز الوزن
تُسلّط هذه النتائج الضوء على أن السمنة ليست مجرد مشكلة متعلقة بالوزن أو الشكل الجسدي، بل تؤثر على الأجهزة الحيوية بعمق، وتحديدا على الرئتين، حيث تسهم في تسريع الشيخوخة الخلوية وتضعف القدرة التنفسية.
يؤكد الباحثون أن الوقاية من السمنة والحفاظ على نمط حياة صحي يمكن أن يكون لهما دور محوري في حماية الرئتين من التدهور المبكر وتحسين جودة الحياة على المدى الطويل.