الترابط الاجتماعي دواء طبيعي لصحة العقل والجسد
دراسات و أبحاث
الترابط الاجتماعي دواء طبيعي لصحة العقل والجسد
10 تشرين الأول 2025 , 15:31 م

إن كنت تشعر بالوحدة، فلست وحدك، فواحد من كل أربعة أستراليين يعاني من وحدة مزمنة، وهو ما يجعل آثارها على السعادة وجودة الحياة تجربة مشتركة بين الكثيرين.

وفي ظل هذه الأرقام المقلقة، اختارت أستراليا أن تركّز في اليوم العالمي للصحة النفسية لهذا العام على أهمية الترابط الاجتماعي ، لما له من تأثير مباشر في الصحة النفسية والجسدية على حد سواء.

ما أسباب الشعور بالوحدة؟

أسباب الوحدة متعددة، وغالبا ما تكون خارجية وليست داخلية.

فمن العوامل المجتمعية التي قد تؤدي إلى الشعور بالعزلة:

ضغوط الجمع بين العمل وتربية الأطفال.

تباعد أفراد العائلة جغرافيا.

فقدان الشعور بالانتماء الثقافي أو المجتمعي.

الاعتماد المفرط على التكنولوجيا بدلاً من التواصل الإنساني الحقيقي.

كما تشمل أحداث الحياة المسببة للوحدة:

فقدان شخص عزيز.

انتهاء علاقة أو طلاق.

الانتقال إلى مدينة جديدة.

الصعوبات المالية أو التقاعد.

التخرج من المدرسة أو الجامعة.

التعرض لصدمة أو مرض مزمن.

وقد يدخل البعض في ما يسمى بـ "دائرة الوحدة"، حيث يؤدي الشعور بالوحدة إلى ضيق نفسي يجعل التفاعل الاجتماعي أكثر صعوبة، مما يزيد من العزلة مجددا.

الرسالة الأهم هنا: الوحدة ليست عيبا أو ضعفا، بل إشارة طبيعية من الدماغ إلى أن الإنسان يحتاج إلى تواصل اجتماعي أكثر.

لماذا نحن مبرمجون على الترابط الاجتماعي؟

الوحدة ليست مجرد إحساس، بل هي حالة بيولوجية.

فالإنسان مخلوق اجتماعي بطبيعته، ودماغه تطوّر عبر الزمن ليتفاعل مع الآخرين في شبكات معقدة من العلاقات.

تشير الأبحاث إلى أن أجزاء الدماغ المختلفة تشارك في السلوك الاجتماعي بدرجات متفاوتة، وأن الدماغ يتفاعل مع الوحدة كما يتفاعل مع الألم الجسدي، فينشّط استجابات التوتر والضغط العصبي.

في المقابل، فإن التواصل الإيجابي مع الآخرين يزيد من إفراز هرمون الأوكسيتوسين، الذي يعزز الشعور بالانتماء ويقلل من نشاط مناطق القلق في الدماغ، لكل إنسان قدر مختلف من الحاجة الاجتماعية، ولكن الشعور بالوحدة هو مؤشر طبيعي إلى أن حاجتك للتواصل لم تُلبَّ بعد.

فوائد الترابط الاجتماعي للصحة النفسية والجسدية

الترابط الاجتماعي لا يعني فقط غياب الوحدة، بل هو إحساس بالانتماء داخل شبكة من العلاقات — سواء كانت عائلية، أو صداقات، أو زمالة عمل، أو مجتمعية.

فوائد نفسية وعاطفية

انخفاض احتمالية الاكتئاب والاضطرابات النفسية.

تنظيم أفضل لاستجابة الجسم للضغوط (fight or flight).

تعزيز الإحساس بالأمان النفسي والثقة بالذات.

فوائد جسدية مدهشة

تقوية الجهاز المناعي.

تقليل خطر أمراض القلب.

تخفيف الالتهابات الناتجة عن التوتر.

ويرى العلماء أن الوحدة المزمنة ترتبط بزيادة الالتهاب والإجهاد التأكسدي في الجسم، مما يجعل الترابط الاجتماعي وقاية طبيعية طويلة المدى.

الترابط الاجتماعي في مرحلة الطفولة والمراهقة

أظهرت الدراسات أن الأطفال والمراهقين الذين يشعرون بترابط أكبر في المدرسة أو الأسرة يتمتعون بـ:

تقدير ذاتي أعلى،

مستويات أقل من الاكتئاب والقلق الاجتماعي،

وانخفاض خطر الأفكار الانتحارية.

وفي دراسة طولية لدماغ المراهقين (من سن 12 إلى 17 عامًا)، تبيّن وجود علاقة عكسية واضحة بين الترابط الاجتماعي والضيق النفسي: كلما زاد الترابط الاجتماعي، انخفضت مستويات التوتر والضيق النفسي، والعكس صحيح.

الترابط الاجتماعي في مرحلة الشيخوخة

تشير نتائج دراسة السعادة في جامعة هارفارد — الأطول من نوعها منذ عام 1938 — إلى أن الرضا عن العلاقات الاجتماعية في منتصف العمر (عند سن 50) هو أقوى مؤشر للصحة والسعادة في سن 80، متفوقا حتى على مستويات الكوليسترول.

كما أثبتت الأبحاث أن التواصل الاجتماعي المنتظم:

يقي من الخرف والزهايمر،

ويقوّي الاحتياطي المعرفي للدماغ — أي مقاومته لتأثيرات التقدم في العمر.

وتشير دراسات فريق الشيخوخة الدماغية الصحية في جامعة صن شاين كوست إلى أن انخفاض الترابط الاجتماعي يرتبط بـ:

تراجع حجم المادة البيضاء في الدماغ،

واضطراب النشاط الكهربائي العصبي،

وتغير تراكيز المواد الكيميائية العصبية قبل ظهور أي علامات للخرف.

كيف تبني روابط اجتماعية صحية؟

التغلب على الوحدة يحتاج إلى وقت وجهد تدريجي، ولكن كل خطوة صغيرة تُحدث فرقا كبيرا.

وفيما يلي نصائح بسيطة وفعّالة لبناء روابط جديدة:

1. اخرج في نزهة بحيّك وابتسم أو لوّح لمن تقابلهم (وجود كلب يسهل بدء المحادثات).

2. فكر في تبنّي حيوان أليف يمنحك الرفقة ويشجعك على النشاط.

3. تفاعل مع المحلات والمقاهي المحلية وأظهر تقديرك للعاملين فيها.

4. انضم إلى مجموعة تشاركك الاهتمامات، سواء عبر الإنترنت أو على أرض الواقع.

5. تابع مواقع المجالس المحلية وصفحات التواصل الاجتماعي لاكتشاف الفعاليات المجانية.

6. خصّص وقتًا لمن تحب — حتى رسالة قصيرة أو تسجيل صوتي تُحدث أثرا.

7. ادمج العلاقات في أنشطتك اليومية، مثل ممارسة الرياضة مع صديق.

8. لاحظ من يبدو وحيدا من حولك، وابدأ معه حديثا بسيطا.

9. كن لطيفا مع نفسك — فالشعور بالوحدة ليس عيبا بل تجربة إنسانية شاملة.

المصدر: Medical Xpress