هل تنجح أمريكا... باحتواء حماس بعد طالبان وجبهة النصرة؟
مقالات
هل تنجح أمريكا... باحتواء حماس بعد طالبان وجبهة النصرة؟
د. نسيب حطيط
14 تشرين الأول 2025 , 18:27 م


صرّح الرئيس الأميركي "ترامب" (منحنا حماس موافقة مؤقتة لاستعادة النظام ونوكل لها مراقبة ألا تكون هناك جرائم ومشاكل في غزة وأن الولايات المتحدة تدرك أن حركة حماس "تعيد تسليح نفسها" لاستعادة النظام في غزة، ونحن متفهمون، لأنهم يريدون فعلاً وقف المشاكل وكانوا صريحين بشأن ذلك).

تواصل أمريكا تنفيذ استراتيجية (الإحتواء بدل الصدام) مع الحركات الإسلامية المتطرفة وفق تصنيفاتها باعتبارها حركات إرهابية، فتبدأ بالحرب عليها وإنهائها وحصارها قانونياً ودولياً ثم احتوائها واستخدامها كأدوات لمشروعها الهادف لتصفير الأعداء الميدانيين للاستغناء عن تدخلها العسكري، فيتم تدجين واحتواء واستخدام هذه الحركات كبديل عن الجيش الأمريكي وفق استراتيجية "الحروب البديلة" التي تعتمدها أمريكا.

تعتمد الإستراتيجية الأمريكية على إعادة تدوير وتصنيع الحركات المتطرفة، بالتفاوض الساخن والبارد، لتغيير أهدافها، فبدلاً من أن تقاتل هذه الحركات، أمريكا وإسرائيل تتجه لقتال الأنظمة المحلية أو الجماعات والمذاهب الإسلامية والقومية تارة باسم الديمقراطية "الربيع العربي" وتارة باسم تثبيت حكم "الخلافة" التي تنحصر بالسبي وتطويل اللحية واللباس الشرعي وتفريغ الإسلام من جوهره الفكري والسياسي والاقتصادي وقد نجحت أمريكا خلال الفترة الماضية بتجربتين كبيرتين في مصنع التدوير وإعادة التصنيع "القطري" حيث تسمح أمريكا لقطر وتسهيلاً لمهمتها لإعادة التدوير والتصنيع، بإبقاء علاقات مع الحركات الإسلامية المتطرفة ورعايتها وتمويلها واحتضانها لتأمين قبول هذه الحركات بالإرشادات والنصائح القطرية وفق التالي.:

- نجحت "قطر" باستضافة المفاوضات المستغربة بين حركة طالبان الأفغانية والإدارة الأمريكية في عهد الرئيس "بايدن" وأنتجت اعترافاً أمريكياً بسلطة طالبان في أفغانستان مقابل تأمين المصالح الأمريكية.

- نجحت "قطر وتركيا" بإعادة تصنيع وتدوير "جبهة النصرة" إلى "جبهة تحرير الشام" وفق المشروع الأمريكي لإسقاط النظام في سوريا وتحولت جبهة النصرة من حركة إرهابية إلى حركة معارضة وثورة شرعية وتم إعادة تدوير وتصنيع "أبو محمد الجولاني" المطلوب رأسه أمريكياً مقابل جائزة 10 ملايين دولار إلى رئيس يحتضنه الرئيس الأمريكي ويرفعه على منبر الأمم المتحدة وتحويله رأس حربة ضد المقاومة في لبنان وإيران والعراق، فاتحاً أبواب سوريا أمام العدو الإسرائيلي ومقفلاً الأراضي السورية أمام فصائل المقاومة الفلسطينية "السنية"!

إن احتواء "حماس" صار احتمالاً قريباً من التنفيذ، بعد اغتيال كل قادتها الميدانيين في غزة والذين كانوا يمسكون بقرار حماس المعادي لإسرائيل وأمريكا وبعد الضربات القاتلة لحركة حماس والشعب الفلسطيني وانسداد الأفق وبعد صمود أسطوري وشجاع لمدة سنتين والضغوط العربية والتركية وبعد الإنذار الأخير الذي وجهته إسرائيل بالتنسيق مع كل الأطراف العربية وأمريكا من خلال "غارة قطر" الهادفة للتدجين والتوقيع وليس القتل!

تتجه أمريكا لإجراء التجربة الثالثة من الإحتواء مع حماس ومنحها فترة تجريبية في غزة "كشرطة مؤقتة" لحفظ الأمن ومنع عمليات الثأر وتنظيم الأمن الاجتماعي، بالنيابة عن مجلس السلام الأمريكي برئاسة "ترامب" وتون بلير البريطاني فإذا نجحت فكرة التدشين لحماس وإعطائها تعويضاً معنوياً بشراكة وهمية في إدارة غزة تشبه دور جيش لحد في جنوب لبنان (مع فارق العقيدة والنوايا) ويشبه مهمة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية ومهمة قوات "الجولاني" في سوريا وكما تحاول إسرائيل أن تفعله في لبنان مع القوات الدولية والجيش اللبناني!

يبدو أن قيادة حماس ووفق إجراء تكتيكي واحتواءً للضغوط العربية ومحاولة التقاط الأنفاس، توحي بأنها قبلت بهذا الدور وتراهن على الوقت وتغيّر الظروف لإبقاء وجودها ولو رمزياً وعدم محوها من الوجود أو الذاكرة الفلسطينية، لكن الخوف أن يصبح الوضع المؤقت والاستثنائي دائماً ويتم إغراؤها بأنها إذا أظهرت حسن السلوك والطاعة، فسيتم السماح لها بالتمدّد إلى الضفة وتصبح بديلاً عن السلطة الفلسطينية "فتح" لإغراق الساحة الفلسطينية بالفتنة، لإنهاء القضية.

هل تنجح أمريكا أو تدجّن حماس (أول من رفع علم الجولاني عام 2012 في غزة) ...أم يربح المشروع المقاوم ولا يخسر أحد أذرعه الرئيسية، ويتم إخراجه من القضية الفلسطينية. لا تستغربوا شيئاً...واستعدوا للأسوأ...وكونوا على حذر...فنحن أصحاب الظهور النازفة...

د. نسيب حطيط