كشفت دراسة علمية حديثة أجراها علماء من جامعة صن يات-سين (Sun Yat-sen University) في الصين عن وجود علاقة معقدة بين العدوى الفيروسية وبعض الاضطرابات النفسية . وأظهرت النتائج أن بعض الفيروسات قد تكون ذات تأثير وقائي ضد بعض الأمراض العقلية، وليس العكس كما كان يُعتقد سابقاً.

نُشرت نتائج البحث في مجلة Brain, Behavior & Immunity – Health، وأشارت إلى أن الفيروسات لا تؤثر فقط في الجهاز المناعي، بل قد يكون لها دور مباشر في التوازن العصبي والنفسي للإنسان.

العلاقة بين العدوى الفيروسية وبعض الاضطرابات النفسية

لاحظ العلماء منذ زمن أن الأشخاص المصابين بأمراض نفسية يعانون في كثير من الأحيان من عدوى فيروسية متكررة، لكن السؤال الذي بقي مطروحا هو:

هل الفيروسات تسبب هذه الاضطرابات النفسية، أم أن العلاقة تعود إلى أسلوب الحياة والعوامل الاجتماعية مثل الوصول إلى الرعاية الصحية؟

للاجابة عن هذا التساؤل، استخدم الباحثون بيانات جينية ضخمة شملت أكثر من 410 آلاف شخص من أصول أوروبية، لتحليل الروابط بين الاستعداد الوراثي للإصابة بفيروسات معينة وخطر تطور الأمراض النفسية.

أظهرت الدراسة نتائج مدهشة وغير متوقعة، أبرزها:

- الاستعداد الوراثي للإصابة بفيروس التهاب الكبد B ارتبط بانخفاض خطر الإصابة باضطراب القلق العام بنسبة 6٪.

- الاستعداد للإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية (HIV) كان مرتبطًا بانخفاض خطر الوسواس القهري (OCD) بنسبة 16٪.

- الاستعداد للإصابة بفيروس كورونا (SARS-CoV-2) قلّل أيضا من خطر الوسواس القهري بنسبة 22٪.

- الاستعداد للإصابة بفيروس الورم الحليمي البشري (HPV) خفّض احتمال الإصابة بالفصام (الشيزوفرينيا) بنسبة 16٪.

- بينما أظهرت الاستعدادات الوراثية للإصابة بفيروس إبشتاين–بار (Epstein-Barr Virus) ارتباطا بزيادة خطر الاكتئاب الشديد.

كيف تأكد العلماء من صحة النتائج؟

لتجنّب أي التباس أو تأثيرات خارجية، أجرى الباحثون تحليلات إضافية متعددة لاستبعاد احتمال أن تكون الطفرات الجينية مسؤولة عن الاضطرابات النفسية بطرق غير متعلقة بالعدوى الفيروسية.

وبعد هذه التحليلات الدقيقة، أكد العلماء أن العلاقة بين بعض الفيروسات والصحة العقلية حقيقية ومستقلة عن العوامل البيئية أو نمط الحياة.

التفسير العلمي: ليست كل العدوى ضارة

خلص العلماء إلى أن ليست كل الفيروسات تؤثر سلبا على صحة الإنسان.

بل على العكس، قد تمتلك بعض الفيروسات تأثيرا مناعيا إيجابيا يساعد في تنظيم الاستجابة العصبية والمناعية داخل الجسم، مما يؤدي إلى تأثير وقائي ضد بعض الاضطرابات النفسية.

ويشير هذا الاكتشاف إلى ضرورة إعادة تقييم العلاقة بين الفيروسات والجهاز العصبي، ويفتح الباب أمام دراسات جديدة حول إمكانية استخدام بعض التأثيرات الفيروسية في الوقاية أو العلاج النفسي في المستقبل.