دهشة المواقف لبعض عشاق الكراسي المرصعة.
”بلاغة الشجب ومفارقة العجب."
(قال تعالى وهو أعظم القائلين: ” ياآيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون".) صدق الله العظيم.
في زمن غدت فيه المواقف خطبا تقال لا أفعالا تفعل، يطل على الأمة مشهد يثير الدهشة والأسى معا؛
خطب تنشد فيها قصائد الرفض، بينما تعقد في الكواليس صفقات القبول، ودموع تسكب على المآذن، فيما تقدم الهدايا على الموانئ، إنها مأساة المفارقة بين مايعلن وما يضمر، بين التنديد الممجوج والتأييد المرموز، بين صوت يصرخ ضد الباطل ويد تصافحه. في هذا الزمن صار التنديد عادة دبلوماسية لبعض الموصوفين قرآنيا بالأشد...والتأييد صك ولاء مكتوب بالحروف الصامتة.
” التدين المعلن والتبادل المستتر "
تتقن بعض عواصم الأبراج العالية فن التمثيل السياسي، فتبدو في خطبها كأنها قبلة الحق، وفي ميزانياتها كأنها شريك الباطل.
تستنكر العدوان أمام العدسات، وتستورد من المعتدي السلع والإتفاقيات في الخفاء.
تتباكى على أطفال قطعت أشلاؤهم، وترسل من تحت الطاولة مايغذي آلة القتل ذاتها.
وفي شمال بلد تنبض بالأبجدية الأولى، يلوح بعضهم بآيات التقى على المنابر، فيما ترفع الرسوم البيانية معدلات التبادل مع حكومة الغاصب في صمت ثقيل. إنه الورع المعلن والتبادل المستتر، ازدواجية لايفسرها إلا من قرأ في علم السايكلوجيا السياسية.
كيف يختبئ الطمع في لباس الواعظ، وكيف يغسل الضمير بماء المصلحة.
”” ثبات موقف طهران ووضوح الرؤية ""
في المقابل تبرز مواقف الجمهورية الاسلامية الإيرانية كجبل ثابت لاتهزه رياح الإدعاء ولازوابع التهديد.
دولة آمنت بشعبها العظيم وحكومتها الرشيدة منذ فجر إنتصار ثورتها سنة 1978_1979
أن الكرامة لاتشترى، وأن نصرة الحق فريضة لا تؤجل. فاختارت طريق الدفاع لا المجاملة، و المبدأ لا المصلحة. دفعت الأثمان الباهضة، لكنها كسبت ماهو أغلى: احترام الأحرار في كل أرض سلبت أو إنتهك ترابها بأقدام قوى الهيمنة، وبقيت عاصمة الفستق صوت المظلومين في كل شبر وكانت المدافع الأول عن راية الإسلام والمسلمين وعن كتاب الله القرآن الكريم في كل مرة يساء إليه.
نعم بلد الزعفران_ بما حملته من وعي وإرادة واستقلال فكري وسياسي_ أثبتت أن العظمة لاتقاس بحجم الأرض بل بثبات الموقف، وأن الدولة التي تصمد في وجه الطاغوت الأكبر وتفضح الأصفر إنما تسطر فصلا جديدا في التاريخ لايمحى.
لقد تحولت من أمة محاصرة إلى دولة عظمى تحسب لها الموازين ألف حساب، لأنها جعلت المبادئ معيار السيادة، لا القواعد الأجنبية ولا الأوامر المستوردة.
”” بين المبدأ والمصلحة...سقوط الأقنعة""
من يتاجر بالموقف، يبيع الوطن قبل أن يبيع الكلمة. ومن يجعل من التنديد واجهة للإنبطاح إنما يصنع الخيانة في عباءة البلاغة.
قال تعالى: ( ”ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على مافي قلبه وهو ألد الخصام") صدق الله العظيم
لقد كشف الزمن الأقنعة، وأبان الوجوه الحقيقية، فمنهم من اتخذ من الصمت مذهبا، ومنهم من جعل من الموقف مسرحا، ومنهم من بقي كما هو_ ثابتا صادقا يرفع راية المستضعفين دون مساومة أو خوف. ومن بين هاؤلاء وهاؤلاء، يظل صوت الضمير الحر هو النجم الذي يهتدي به الأنقياء الأوفياء.
”الحق لايقاس بالكثرة، ولا الإنصاف بالمواسم"
الحق يعرف بثباته، وبمن يظل عليه واقفا حين يركع الآخرون.
سيأتي فجر ينقشع فيه غبار الخطابات الصادرة عن بعض المتشبثين بمقاعدهم المزخرفة الزائلة. فكلنا زائلون ويبقى لنا الأثر. وستسقط عنهم أوراق التنديد المصطنعة، وتبقى فقط مواقف الذين صدقوا الله ماعاهدوه عليه.
وحينها ستفهم الأجيال أن التاريخ لايكتب بمن صرخ بل بمن صبر وصدق وثبت. وسيقال في سفر الأمة: وأقولها بكل بهجة: لقد كانت وستبقى دولة الحضارات والحوارات. التي لم ولن تخشى العاصفة، لأنها هي العاصفة.
مفكر وكاتب حر, وإعلامي سابق في الغربة.