٦/١١/٢٠٢٥
كتب الدكتور ميخائيل عوض
1
ليس أمراً عابراً أو منقطعاً أو مصنعاً كما يحلوا للبعض قوله، أن تتشكل ظاهرة ممداني وأن تتحقق في نيويورك، وليس في سواها من العواصم والمدن والدول.
فـ"نيويورك" مدينة عالمية بكل المقاييس، بل عاصمة وموطن العولمة والأمركة ولوبياتها.
فنظامها وسكانها وهوياتهم وتشكلها ووظيفتها ودورها عالمي.
ونيويورك العاصمة الاقتصادية لأمريكا، وأمريكا فرضت قسراً محاولاتها لاغتصاب "العالمية" بأمركتها، وأسمتها "العولمة"
العالمية، سابقة لنشوء أمريكا نفسها وعابرة لمحاولاتها قسر الحقائق التاريخية واستحقاقاتها، وتغيير موجباتها.
الأديان عالمية وسابقة...
الانسان عالمي وسابق للأديان... والطبيعة عالمية...
فحاجاتها وظواهرها لا تستجيب للحدود والقوانين والسيادات والخرائط.
2
تطورت الحياة البشرية والهويات الجمعية في حلقات وحقب من الصغيرة المعزولة الى الأكبر المتفاعلة مع الأخريات فالأكبر، وتسارعت تطوراتها وتنوعها مع منتجات البشر المادية والروحية بحوافز تلبية حاجتهم وتعظيمها.
القومية حقبة نشأت مع انتصار الرأسمالية على الإقطاعية بعد حروب وتوترات، ومع تحرير الدين من السياسة والاستيلاء عليه إثر حروب أوروبا الدينية لـ١٣٠ سنة كانت معاهدة "وستفاليا"، إشارة لإطلاق العصر الحضاري الإنساني الثاني، بعد الأول الذي أطلقته معاهدة "قادش".
اغتُصِبت القومية كهوية جمعية أوسع وأرقى وأكثر إنسانية وحضارية من سوابقها من التشكيلات والهويات، وعندما هيمنت الرأسمالية حولتها إلى عقيدة لاضطهاد القوميات الأخرى، ولسحق الهويات المؤسِسَة والاستيلاء على ثرواتها ونتاجاتها. فكانت الحروب، وعصفت في ثلاث حروب عالمية مدمرة إلى أن اهتدت البشرية إلى حقبة ما فوق القومية، في اتحادات قارية كالاتحاد الأوروبي. كانت أنتجت الهند والصين وروسيا وإيران وباكستان وأخريات هويات جمعية تتفاعل فيها الهويات المؤسسة، وشكلَّت دول حضارات على عكس أوروبا التي مازالت تحاول العبث وفرض التمييز والعنصرية والتقسيم والتفتيت، لاستعمار وتدمير تلك الدول الحضارات تحت مسمى القوميات والاثنيات والأديان والأطياف والقبائل وتسعير الهويات القديمة.
3
ممداني تأسس على هوية عالمية من أبوين هنديَين أوغنديين، ثم في جنوب إفريقيا فنيويورك. وهو عاش الترحال وعاش ظروف إفريقيا وابتلاءاتها، وهو من عمر يلاصق جيل زد، جيل الألفية الثالثة والهوية العالمية.
اكتسب من تجربته ومن دين عائلته ومن نتاجات والده المثقف والباحث والكاتب الرافض للاستعمار والقوميات الاستعلائية بذور تفكيره، وتركزت منظومته الفكرية، ومن وسائط التواصل والثورات التقانية التي عاصرها وعاشها، وتشكلت معارفه عبرها، فصار أحد أهم مؤشرات ضمور العولمة بما هي أمركة للعالمية، وتشكلَّت ظاهرته في عاصمة العالمية.
4
خلفيته الدينية والثقافية، متعدد القوميات والهويات وتتلمذ على يد الإمام علي ومقولته؛ "الانسان أخ لك في الدين أو نظير لك في الخَلق"، فعالمية الإيمان والأديان والإنسان. وثقافته عالمية، هندي إفريقي عربي ونيويوركي، ويجيد استخدام الوسائط العصرية ولغاتها ويتفاعل مع أجيالها.
إذن هو ليس ظاهرة عابرة، ونموذجه ليس مُصنَّعاً، أو خطأ في غير بيئته ومكانه.
ممداني في حقبة سيادة العالمية، أي العالم قرية كونية. وسقوط كل الحواجز الطبيعية والاصطناعية التي يسرَّت التفاعل بين البشر بلا قيود، وانكشاف الأمركة ومحاولات استلاب العالمية بالعولمة، من المنطقي أن تسهم في تظهير الظاهرة الحاكمة والقاطرة نيويورك، وليس من مكان أو بيئة أخرى. فقد طابقت الحاجات والظرف الثوري نضج الحالة والظرف الذاتي، فالظاهرة أصيلة عميقة مؤسِسَة، وستكون نموذج حافز للشعوب وخاصة الغربية.
ستترك أثراً يوازي أو يفيض عن الثورة الفرنسية في زمنها، وقد خرجت من باريس وليس صدفةً. والثورة البلشفية وقد خرجت من روسيا وليس صدفةً أبداً وتعممت. فالظاهرة التي يمكن وصفها بحق بثورية بامتياز تطابق قيم العصر والزمان، ستكون قاطرةً بل مؤسِسَة تستعجل أخواتها لشطب العولمة، وإطلاق العالمية وقيمها وقواعدها الناظمة في العالم الجديد، أي العصر الحضاري الثالث للبشرية.
5
لن تموت الظاهرة، ولن يتم احتوائها أو شرائها، وليست تنتمي إلى عالم وزمن سابقتها ـالرئيس أوباماـ التي تمَّ تصنيعها واشتغل عليها لوبي العولمة وحكومة الشركات، لإنقاذ عالمهم وأدَّت وظيفتها، وانتهت إمكانيات توليد شبيهاتها.
فالظاهرة ليست فقط تعبيراً عن حاجات أمريكا لتغيير نظامها وتوازناتها وقيمها ودورها، فقد استنفذت أزمنتها وقدراتها، وتحول نظامها إلى وبال على شعوبها والعالم، وتمخضت منذ الـ،٢٠٠٠ وجربت وعجزت بنيتها التقليدية عن إنتاج التغيير النوعي، فأطلقت نيويورك لطبائعها مشروعاً للتغيير يتساوق مع حاجات وقيم الزمن والعصر والعالمية لتلبية حاجات البشر.
كل البشر بلا تصنيفات وتقسيمات واحترابات مفتعلة.
6
غزة، حقيقيةٌ جوهرية في قيم الإنسان وطبائعه والأديان ومشيئة الله في خلقه. فكانت ـوهذا منطق الأشياءـ الحافز والمحرك، ومن طبائع الأشياء أن يكون ممداني نصيراً للحق بالحياة، ورافضاً للعسف والتدمير والإبادة بالقتل والتجويع. ولأنها النموذج الصارخ، وقد أعادت تأصيل حقوق الإنسان والحيوان بالممارسة وبالوقائع المعاشة، فتصير صنو الظاهرة ومن علامتها وتجول وتجوب العواصم معها كعنصر أساس محرك للشعوب ولجيل زد، رفضاً للتخلف والرجعية وللانتفاض على العالم القديم، بعد أن بلغ ذروة التوحش على كل المسارح والاتجاهات.
7
ممداني من نيويورك، وغزة حاضرة ومحفِزة علامات على تسريع ولادة العالم الجديد، ولحظة إطلاق صفارة السباق. فقد أزفت ساعة أن يرحل القديم وأن يتقدم جيل زد وقيمه الإنسانية وطبائعه العالمية إلى القيادة.
هل تنفجر أمريكا لإعاقتها؟
أم تنتشر ظاهرتها سريعاً، فتخل بالتوازنات وتفرض نفسها، فتحول دون الانفجار والفوضى والمآسي الكارثية؟.
للاشتراك بقناة مع ميخائيل عوض على الرابط
https://youtube.com/@maikawad1800?si=BvpkEv6xqtY9crVL
[٦/١١، ١٢:٤٥ م] دادو: https://youtu.be/PFtlwCRzgy0?si=Txwlv_Sqxrf73J_Y