ينتج جسم الإنسان في كل ثانية ملايين الخلايا الدموية الجديدة، نحو 90% من الخلايا التي يتم استبدالها يوميا هي خلايا دم، تشمل خلايا الدم الحمراء التي تنقل الأكسجين، والصفائح الدموية المسؤولة عن تخثر الدم، وخلايا المناعة التي تحمينا من العدوى.
هذه العملية الحيوية تعتمد على الخلايا الجذعية المكوِّنة للدم في نخاع العظم، وهي الخلايا الوحيدة القادرة على إنتاج خلايا الدم طوال حياة الإنسان.
لكن لهذه الخلايا «جانب مظلم» أيضا؛ إذ إنها تكتسب نحو 20 طفرة في الحمض النووي سنويا، مما يعني أن بعض الخلايا قد تتحول بمرور الوقت إلى خلايا سرطانية مسببة لأمراض الدم. لذا فإن فهم سلوك هذه الخلايا وآليات تحولها أمر بالغ الأهمية لتطوير علاجات فعّالة.
تنوع مفاجئ في الخلايا الجذعية البشرية
لطالما اعتقد العلماء أن جميع الخلايا الجذعية تنتج كل أنواع خلايا الدم، لكن الأبحاث الحديثة على الفئران كشفت أن بعض الخلايا الجذعية تختص بإنتاج أنواع محددة من خلايا الدم.
وفي الدراسة الجديدة المنشورة في مجلة Nature Genetics، تمكن باحثون من معهد كارولينسكا السويدي بقيادة الدكتور تيتسويتشي يوشيزاتو من استكشاف هذا التنوع للمرة الأولى لدى البشر.
يقول يوشيزاتو: "استخدمنا الطفرات الطبيعية في الحمض النووي كأنها رموز تعريفية (باركود) لتتبع مساهمة كل خلية جذعية في أنواع الدم المختلفة لدى أشخاص مسنين أصحاء."
النتائج كانت مدهشة:
بعض الخلايا الجذعية البشرية تنتج جميع أنواع خلايا الدم.
بينما خلايا أخرى أكثر تخصصا ولا تنتج إلا فروعا معينة.
المثير أن هذا التخصص ليس مرتبطا بطفرات جينية، بل يبدو أنه صفة داخلية مبرمجة في الخلايا نفسها.
استقرار التنوع عبر الزمن
يقول الأستاذ ستين إيريك ياكوبسن، رئيس مجموعة أبحاث بيولوجيا الخلايا الجذعية الدموية في معهد كارولينسكا: "لقد فوجئنا بأن أنماط التخصص في الخلايا الجذعية البشرية مطابقة لتلك التي رصدناها في الفئران، بل إنها ظلت ثابتة حتى بعد زراعة نخاع العظم، مما يشير إلى أن هذه الأنماط مبرمجة ذاتيا ومستقرة لعدة عقود."
كما أظهرت التحليلات التطورية للخلايا أن معظم الخلايا الجذعية تحافظ على نمطها الخاص لعقود من الزمن، في حين تصبح بعض الخلايا أكثر تخصصًا مع التقدم في العمر.
تطبيقات طبية واعدة
يفتح هذا الاكتشاف آفاقا جديدة في الطب:
تحسين إنتاج خلايا الدم بعد عمليات زراعة النخاع أو العلاج الكيميائي.
تطوير علاجات مستهدفة لأمراض الدم وسرطاناته.
فهم التحولات السرطانية المبكرة التي تبدأ من الخلايا الجذعية الطبيعية.
ويعتقد العلماء أن هذا الفهم العميق لكيفية عمل الخلايا الجذعية سيحدث ثورة في الطب التجديدي وعلاج السرطان.