أثار تحليل وراثي نادر استغرق أربع سنوات موجة جديدة من النقاش حول التاريخ الصحي والبيولوجي لأدولف هتلر ، زعيم النظام النازي، بعد أن كشف عن احتمال إصابته بمتلازمة كالمان (Kallmann Syndrome)—وهي حالة وراثية نادرة تؤثر في البلوغ والتطور الجنسي.
كما فندت النتائج المزاعم المتداولة منذ عقود بشأن وجود جذور يهودية في نسب هتلر، وهي شائعة لطالما أثارت الجدل بين المؤرخين.
هذه النتائج تُعرض في وثائقي من جزأين يحمل عنوان:
“DNA هتلر: المخطط الجيني لِدكتاتور”
والمقرر بثه عبر قناة Channel 4 البريطانية بحسب موقع Interesting Engineering .
عينة من دم هتلر من الأرشيف إلى المختبر
بحسب الباحثين، فإن العينة الجينية أُخذت من قطعة قماش قُصّت من أريكة داخل مخبأ هتلر في برلين، وهي الأريكة التي توفي عليها عام 1945.
وقد جرى التحقق من مصداقية العينة عبر مقارنتها بالحمض النووي لأحد أقاربه من خطّ الذكور.
هذا التأكيد الوراثي منح الدراسة مصداقية أكبر، على الرغم من استمرار الجدل الأكاديمي حول المنهجية.
متلازمة كالمان: مفتاح لفهم تاريخه الصحي
أبرز ما كشفه التحليل هو وجود طفرة في جين PROK2، وهو ما يشير بقوة إلى إصابة هتلر بمتلازمة كالمان.
تقول توري كينغ، العالمة الوراثية وقائدة فريق التحليل:
“هذه الحالة تسبب انخفاضًا شديدًا في هرمون التستوستيرون، وتأخر البلوغ، وقد تؤدي إلى عدم نزول إحدى الخصيتين أو صِغَر العضو الذكري.”
وتشير الأبحاث، بحسب كينغ، إلى أن 5% من المصابين قد يعانون من micropenis، أي ضمور شديد في الأعضاء التناسلية.
كما قالت شركة الإنتاج أن نتائج تحليل المخاطر الوراثية وضعت هتلر ضمن أعلى 1% لاحتمالية الإصابة بالتوحد أو الفصام أو الاضطراب ثنائي القطب، مع تأكيد العلماء أن هذه المؤشرات ليست تشخيصا ولا يمكن ربطها مباشرة بالسلوك.
تقاطعات مع الوثائق التاريخية
يرى بعض المؤرخين أن هذه النتائج تدعم سجلات طبية قديمة.
يقول المؤرخ أليكس كاي، المشارك في الوثائقي:
“هناك وثيقة تعود لعام 1923 تشير إلى إصابة هتلر بـ الخصية المعلقة اليمنى، وهي حالة تتوافق مع ما نراه في نتائج تحليل الحمض النووي.”
ويضيف أن هذا قد يساعد في تفسير الانزعاج الدائم لهتلر تجاه العلاقات العاطفية وغياب الروابط الحميمة في حياته.
ومع ذلك، يشدد الباحثون على أن هذه الحالات لا علاقة لها بالعنف ولا تبرّر أفعاله أو سياساته.
وتوضح كينغ: “من النادر للغاية أن يقود أي من هذه الاضطرابات إلى سلوك عنيف. ما فعله هتلر كان نتيجة نظام كامل دعمه آلاف الأشخاص.”
دحض شائعة الأصول اليهودية
لطالما تداول البعض أن جدّة هتلر حملت من رجل يهودي عندما كانت تعمل في منزل يهودي، لكن التحليل الوراثي قدّم ما يعتبره العلماء “دليلا مضادا”.
تقول كينغ: “تطابق الكروموسوم Y مع قريب له من خطّ الذكور يؤكد أن العينة صحيحة، ويؤكد أيضا أن تلك القصة حول أصوله اليهودية غير صحيحة.”
تحفظات علمية: غياب النشر الأكاديمي
على الرغم من اهتمام الإعلام العالمي، فقد دعا علماء آخرون إلى الحذر.
خبراء استشهدت بهم CNN أشاروا إلى أن البيانات لم تُنشر بعد في مجلة علمية ولم تخضع لمراجعة الأقران، ولا يمكن تقييمها دون الوصول إلى النسخة الكاملة من الجينوم.
ويقول بونتوس سكولوند من معهد فرانسيس كريك: “إصدار نتائج من خلال برنامج تلفزيوني بدلا من ورقة علمية يثير تساؤلات حول القيمة العلمية، وخاصة مع مخاطر وصم الأشخاص الذين يعانون من حالات مشابهة.”
قطعة صغيرة من لغز تاريخي ضخم
يؤكد الباحثون أن هذه النتائج ليست سوى “قطعة صغيرة جدا” في محاولة فهم شخصية تاريخية معقدة. وتقول كينغ إنها تأمل نشر الورقة البحثية قريبا حتى تخضع الدراسة للتقييم العلمي الكامل.