تقييم عام لاتفاق وقف إطلاق النار (27 نوفمبر 2024 - 26 نوفمبر 2025)
مقالات
تقييم عام لاتفاق وقف إطلاق النار (27 نوفمبر 2024 - 26 نوفمبر 2025)
عدنان علامه
27 تشرين الثاني 2025 , 05:01 ص


عدنان علامه - عضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين

​مر عام كامل على سريان إتفاق وقف إطلاق النار، الذي تم التوصل إليه برعاية أمريكية وفرنسية بتاريخ 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024.

يهدف هذا التقييم إلى رصد الواقع الميداني والقانوني لإتفاق الهدنة، والذي يؤكد على عدم تحقيق بنوده الأساسية في ظل الإستباحة الإسرائيلية المستمرة للأراضي اللبنانية.

​? الواقع الميداني: إستمرار الأعمال العدائية والخرق المنهجي

​على الرغم من توقيع إتفاقية وقف إطلاق النار ، لم يتوقف العدوان فعلياً، بل تحول إلى عمليات إغتيال مستمرة واستهداف للبنية التحتية والمدنيين، وهو ما يمثل خرقاً صريحاً لأهم بند في الاتفاق: وقف الأعمال العدائية.

​1- الإستباحة الإسرائيلية للسيادة اللبنانية

​تؤكد الأحداث البارزة أن إسرائيل تواصل انتهاك السيادة اللبنانية بشكل منهجي فعلى سبيل المثال لا الحصر:

# ​اغتيال موظف بلدية بليدا (30 تشرين الأول 2025): أقر الجيش الإسرائيلي بالعملية بعد توغل بري وخرق للحدود وقتل موظف البلدية أثناء نومه. وكان التعليق الإسرائيلي المباشر على الحدث هو:

​"لحظة تحديد تهديد مباشر على أفراد القوة تم إطلاق نار لإزالة التهديد... الجيش يواصل العمل لإزالة أي تهديد يواجه دولة إسرائيل."

# إغتيال القائد الجهادي الكبير الشهيد أبو علي طباطبائي (نوفمبر 2025): تكرر نفس المضمون التبريري بعد عملية الاغتيال الموجهة التي تمت في الأيام الماضية، حيث يصر المتحدثون الإسرائيليون على أن أي إستهداف هو "إزالة لتهديد".

​2- العدد الهائل للانتهاكات

​تشير الإحصائيات إلى أن مضمون هذه التصريحات تتكرر مئات المرات خلال العام، حيث يصاحب كل عملية قصف أو اغتيال أو خرق جوي/بري. وإن تكرار هذه التبريرات بمعدل شبه يومي يؤكد على أن الاتفاق تحول إلى غطاء لتنفيذ "عمليات خاصة" بدلاً من كونه اتفاقاً لوقف إطلاق النار.

​?️ الصيغة المتكررة: تبرير الخرق تحت غطاء "الحفاظ على التفاهمات"( غير الموجودة)

​تعتمد التصريحات الصادرة عن نتنياهو، وكاتس، والجيش الإسرائيلي (عبر أفيخاي أدرعي بشكل خاص) على صيغ متباينة تهدف إلى تبرير الخرق كعمل "دفاعي" يخدم الإتفاق:

​الصيغة الأساسية المتكررة:

​"الجيش الإسرائيلي يواصل العمل على إزالة أي تهديدات لإسرائيل، وفقًا للتفاهمات مع لبنان، مؤكدًا على التزام الجيش بالحفاظ على هذه التفاهمات."

و​يُستخدم هذا المضمون المكرر مئات المرات لغرض مزدوج:

1- ​إضفاء الشرعية: تبرير الخروقات المتواصلة (اغتيالات، قصف، توغل) على أنها عمليات "إزالة تهديد".

2- ​التملص من المسؤولية: الادعاء بالحرص على "الحفاظ على التفاهمات"، مما يضع اللوم على الطرف اللبناني الذي يزعمون أنه يسعى لإعادة بناء قوته.

​?️ النتائج الإنسانية والسياسية:

فشل بنود العودة والانسحاب

​الإتفاق لم يحقق أهدافه على الصعيد الإنساني والسياسي:

​عدم عودة الأهالي إلى قراها: بفعل استمرار القصف والتهديد الأمني، لا يزال آلاف المدنيين اللبنانيين نازحين من قراهم الحدودية، مما يشير إلى فشل ذريع في تحقيق الأمن الذي كان يفترض أن يترتب على الاتفاق.

#​عدم الانسحاب من الأراضي اللبنانية:

لم تنسحب إسرائيل من الأراضي اللبنانية والمواقع التي إحتلتها خلال عدوان العام 2024 ؛ والمريب في الأمر أن الوسيط الأمريكي توم براك صرْح بوقاحة أن إسرائيل لن تنسحب من المواقع المحتلة.

وفي حادثة أخرى قال برّاك: بأن" لإسرائيل الحق بالإعتداء على من تشاء، ومتى تشاء وكيف ما تشاء" . كما إنها لم تنسحب من المناطق التي أستولت عليها سابقََا (مثل القسم اللبناني من جبل الشيخ، أجزاء من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا)، مما يبقي على ملف النزاع الحدودي قائمًا ويتناقض مع أي حل شامل.

​ إن الواقع الحالي يؤكد أن إتفاق وقف الأعمال العدائية فورًا والإنسحاب الفوري إلى الحدود الدولية لم تنفذه إسرائيل لفرض واقع جديد بتكريس قانون القوة بدلًا من قوة القانون وبنود القرار 1701.

وفي المقابل، سجّلت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) أكثر من 7500 خرق جوي و2500 خرق بري ارتكبتها إسرائيل منذ دخول الاتفاق حيّز التنفيذ.

وأعلنت وزارة الصحة اللبنانية مقتل 331 شخصاً وإصابة 945 آخرين جرّاء الهجمات الإسرائيلية المتواصلة.

وأعلن جيش العدو الإسرائيلي مسؤوليته عن إغتيال نحو 350 عنصرًا وقائدًا ميدانيًا في حزب الله، منذ سريان وقف إطلاق النار في الشمال.

فإتفاق وقف إطلاق بموجب القرار 1701

قد إستغلته إسرائيل كإطار نظري تكرر معه التصريحات التبريرية الإسرائيلية مئات المرات، لشرعنة الاستمرار في الاستباحة العسكرية للأراضي اللبنانية ("الجيش الإسرائيلي يواصل العمل على إزالة أي تهديدات لإسرائيل، وفقًا للتفاهمات مع لبنان، مؤكدًا على التزام الجيش بالحفاظ على هذه التفاهمات").

فبعد مرور عام على إتفاق وقف إطلاق النار تم إثبات التالي:

1- أمريكا ليست وسيطًا نزيهًا بل حليفًا إستراتيجيًا لإسرائيل تعهدت بتفوقه العسكري، ونفذت تعهداتها بإمداد إسرائيل بعشرات ملايين الأطنان من الإمدادات العسكرية عبر جسر جوي وآخر بحري منذ 7 أكتوبر 2023.

وقد إحتفلت إسرائيل بتاريخ 19 من الشهر الحالي بوصول الطائرة رقم 1000 والباخرة رقم 150.

2-إسرائيل لا تحترم العقود والمواثيق وقد نسفت القانون الإنساني الدولي.

3- أثبت مجلس الإمن بأنه تحت التأثير الصهيو أمريكي فلم يكثرث لجريمة الحرب والجريمة ضد الإنسانية المتمثلة بالعدوان على مجمع لبيع وتصليح وتأجير معدات بناء وتزفيت طرقات ومبنى سكني على الطريق العام في مصيلح (أعيان مدنية) وأدى إلى تدمير أكثر مَن 300 آلية.

4- قصور الدولة وتقصيرها في َالتعامل مع العدوان؛ ومنع العدو من إستباحة سيادة لبنان وحماية مواطنيه. ررفع الشكاوى إلى محكمة الجنايات الدولية وَمحكمة العدل الدولية أيضًا.

وإن عدم التصدي للعدو ونفي وجود تفاهمات معه لإستباحة كل لبنان، يشجع العدو على إرتكاب المزيد من الإعتداءات .

ولا بد من الإشارة بأنه بمجرد التوقيع على إتفاق وقف إطلاق النار، أصبح عناصر حزب الله وجرحاه من الأشخاص المحميين بموجب اتفاقيات جنيف وقوانين الحرب وقوانين الصليب الأحمر والقوانين الدولية لعدم وجودهم في جبهات القتال. ولكن قوات الإحتلال لا تكترث للقوانين الدولية.

فمن سيحمي لبنان وسيادته وشعبه، ويجبر العدو على الإنسحاب َمن كل ذرة تراب من لبنان وأعادة المخطوفين والسماح لعودة المواطنين إلى قراهم الحدودية والسكن فيها؟

وإن غدًا لناظره قريب.

26 تشرين الثاني /نوفمبر 2025