أظهرت دراسة جديدة من جامعة برينستون أن الدماغ يمتلك طريقة فريدة في التعلّم تجعله أسرع وأكثر مرونة من أقوى نماذج الذكاء الاصطناعي الحالية، فبينما تحتاج الأنظمة الذكية إلى تدريب طويل على كل مهمة، يستطيع الإنسان اكتساب مهارات جديدة بسرعة مذهلة، حتى في المواقف التي يواجهها لأول مرة.
السر يكمن في أن الدماغ لا يبدأ التعلّم من الصفر، بل يستعين بما يشبه "قطع ليغو معرفية"، وحدات إدراكية جاهزة يعاد استخدامها وتركيبها لإنتاج سلوكيات جديدة.
مرونة يتفوق بها الدماغ على الذكاء الاصطناعي
على الرغم من قدرات الذكاء الاصطناعي المتقدمة، من كتابة مقالات احترافية إلى دعم الأطباء في التشخيص، إلا أن الآلات تظل محدودة عندما يتعلق الأمر بتعلّم مهام جديدة بسرعة أو التكيّف الفوري مع بيئات غير مألوفة.
أما الدماغ البشري فبمقدوره:
تعلم قواعد لعبة جديدة خلال دقائق
استخدام مهارات سابقة لتسهيل مهارات جديدة
الانتقال بين مهام مختلفة بسهولة
ويعود هذا إلى خاصية معرفية مهمة تُسمّى التركيبية (Compositionality)، أي بناء مهارات جديدة من مهارات أصغر موجودة مسبقاً.
كيف اختبر العلماء هذا المفهوم؟
درّب الباحثون اثنين من قرود المكاك الريسوسي على أداء ثلاث مهام بصرية مختلفة. كان على القرود تصنيف أشكال ملوّنة على الشاشة، إما حسب الشكل (أرنب/حرف T)، أو حسب اللون (أحمر/أخضر)، مستخدمةً حركات العين للإشارة إلى الإجابة.
كانت المهام:
تشترك في بعض القواعد
وتختلف في أخرى
مما سمح للباحثين بدراسة ما إذا كان الدماغ يُعيد استخدام نفس الأنماط العصبية عندما تشترك المهام في نفس العناصر الإدراك
القشرة الجبهية: مخزن "القطع المعرفية" الجاهزة
أظهرت التسجيلات العصبية أن القشرة الجبهية الأمامية (Prefrontal Cortex)، المنطقة المسؤولة عن التفكير المعقد — تحتفظ بأنماط نشاط عصبي متكررة تظهر عبر المهام المختلفة كلما تطلّب الأمر مهارة مشتركة، مثل:
تمييز اللون
تمييز الشكل
التحكم بحركة العين
هذه الأنماط تمثل "القطع المعرفية" التي يعاد استخدامها مراراً.
كيف يعمل ذلك؟
عندما ينتقل الدماغ من مهمة لأخرى:
يفعل "القطعة المعرفية" الخاصة بالمهمة الجديدة
ويعيد استخدام القطع المشتركة
ويعطّل القطع غير اللازمة للحفاظ على التركيبة.
بهذه البساطة وبهذه العبقرية.
لماذا يفشل الذكاء الاصطناعي في تقليد هذا الأسلوب؟
معظم أنظمة الذكاء الاصطناعي تعاني من:
مشكلة النسيان الكارثي (Catastrophic Interference)
إذا تعلم الذكاء الاصطناعي مهمة جديدة، غالباً ما ينسى المهمة القديمة.
لكن الدماغ، بفضل "الليغو المعرفي"، يستطيع:
تعلّم مهام جديدة دون فقدان المهارات القديمة.
الأهمية الطبية والبحثية للاكتشاف
قد يساعد هذا الفهم الجديد في:
تطوير جيل جديد من الذكاء الاصطناعي القادر على التعلّم التراكمي
تحسين علاج اضطرابات مثل الفصام والوسواس القهري
دعم إعادة التأهيل بعد إصابات الدماغ
فهم صعوبات التكيّف وتبديل المهام عند بعض المرضى
هذه النتائج قد تمهد لعلاجات تستهدف كيفية تجميع الدماغ للمهارات وإعادة استخدامها.
يكشف هذا البحث أن الدماغ ليس مجرد آلة للتفكير، بل نظام مرن ذكي يستخدم قطعاً معرفية جاهزة، يعيد ترتيبها لابتكار سلوكيات جديدة.
إنها قدرة فريدة تجعل الإنسان يتفوّق على الذكاء الاصطناعي حتى الآن.