اكتشاف علمي يفسر كيف يبدأ سرطان المعدة بالنمو ذاتيا
دراسات و أبحاث
اكتشاف علمي يفسر كيف يبدأ سرطان المعدة بالنمو ذاتيا
27 كانون الأول 2025 , 10:19 ص

يعتبر سرطان المعدة من أكثر أنواع السرطان شيوعا وفتكا في شرق آسيا، بما في ذلك كوريا، ورغم ذلك لم يحظَ بنفس القدر من الاهتمام الجزيئي مقارنة بسرطان القولون والمستقيم الأكثر انتشارا في الدول الغربية.

ونتيجة لذلك، لا تزال العديد من النماذج العلمية الحالية لسرطان المعدة مبنية على افتراضات مستمدة من أبحاث سرطان القولون، مع نتائج محدودة عند تطبيقها سريريا.

في هذا السياق، نجح فريق بحثي دولي في الإجابة عن أحد أكثر الأسئلة غموضا: كيف تنجو خلايا سرطان المعدة المبكرة وتنمو في ظروف لا يُفترض أن تسمح لها بذلك؟

لماذا لا تنمو خلايا المعدة طبيعيا دون إشارات خارجية؟

في الحالة الطبيعية، لا تستطيع الخلايا المبطنة للمعدة أن تنمو بشكل مستقل.

إذ تعتمد هذه الخلايا على إشارات مستمرة من البيئة المحيطة بها، المعروفة باسم البيئة الدقيقة (Microenvironment)، والتي تحدد:

متى تنقسم الخلية

متى تتوقف عن النمو

ومتى تموت

ويُعد فقدان هذا الاعتماد على البيئة من السمات الأساسية للخلايا السرطانية، إلا أن كيفية حدوث ذلك في سرطان المعدة ظلت غير واضحة لسنوات طويلة.

فريق بحثي دولي يفك لغز المراحل الأولى لسركان المعدة

قاد الدراسة كل من:

الدكتورة لي جي-هيون

الدكتور كو بون-كيونغ

الدكتور لي هي-تاك

من مركز هندسة الجينوم التابع لمعهد العلوم الأساسية (IBS)، بالتعاون مع:

كلية الطب بجامعة يونسي

مستشفى كارل غوستاف كاروس الجامعي في دريسدن

وقد نُشرت نتائج البحث في مجلة Molecular Cancer العلمية.

مسارا WNT وMAPK: مفتاح الاستقلالية الخلوية

تُعد بطانة المعدة من أكثر أنسجة الجسم ديناميكية، إذ تتعرض باستمرار للأحماض والطعام والإجهاد الميكانيكي، ما يتطلب تجددا دائما ومنظما بدقة.

أحد أهم المسارات المسؤولة عن هذا التنظيم هو مسار WNT، حيث:

تحصل الخلايا السليمة على إشارات WNT من خلايا مجاورة داعمة

بدون هذه الإشارات، لا تستطيع خلايا المعدة البقاء أو الانقسام

في سرطان القولون، تؤدي طفرات معروفة في جينات مثل APC أو CTNNB1 إلى تفعيل دائم لمسار WNT.

لكن المفاجأة أن هذه الطفرات نادرة في سرطان المعدة، ما حيّر العلماء لعقود.

كيف تحل خلايا سرطان المعدة هذه المشكلة؟

أظهرت الدراسة أن خلايا سرطان المعدة المبكرة تتبع استراتيجية مختلفة كليا.

فبدلا من انتظار إشارات النمو من محيطها، تبدأ هذه الخلايا بإنتاج إشارات WNT بنفسها.

ويحدث ذلك نتيجة تفعيل مسار آخر بالغ الأهمية يُعرف باسم MAPK، وهو مسار مسؤول عن استجابة الخلايا لمحفزات النمو والإجهاد.

دور طفرات KRAS وHER2 في تنشيط النمو الذاتي

أوضحت النتائج أن مسار MAPK غالبا ما يُفعّل في سرطان المعدة بسبب طفرات في جينات مثل:

KRAS

HER2

وتوجد هذه الطفرات لدى نحو ثلث مرضى سرطان المعدة.

وعند تنشيط MAPK:

تبدأ الخلايا السرطانية بإنتاج جزيء محدد من WNT يُسمى WNT7B

تقوم الخلايا بإفراز هذا الجزيء

يتشكل نظام تغذية ذاتية يسمح لها بالنمو المستمر دون دعم من البيئة المحيطة

وبذلك تصبح الخلايا مستقلة وظيفيا في مرحلة مبكرة جدا من المرض.

تغير جذري في سلوك الخلايا السرطانية

علّقت الدكتورة لي جي-هيون قائلة إن هذا الاكتشاف يمثل تحولا جوهريا في فهم سلوك الخلايا السرطانية، حيث تصبح قادرة على الاستغناء عن الإشارات الخارجية في وقت مبكر من تطور الورم.

كما كشفت الدراسة عن ترابط وظيفي غير متوقع بين مساري MAPK وWNT، وهما من أهم المسارات الجزيئية في بيولوجيا السرطان.

تأكيد النتائج على نماذج بشرية حقيقية

لم تقتصر الدراسة على النماذج الحيوانية، بل جرى التحقق من النتائج باستخدام:

نماذج فئران معدلة وراثيا

عضويات سرطانية مشتقة من مرضى (Organoids)، وهي نماذج ثلاثية الأبعاد تحاكي الأورام البشرية بدقة عالية

وقد جُمعت عينات المرضى عبر تعاون دولي طويل الأمد، ما عزز موثوقية النتائج وأكد ارتباطها المباشر بسرطان المعدة لدى البشر.

آفاق جديدة للعلاج والبحث الطبي

تشير النتائج إلى فرص علاجية واعدة، خاصة أن:

سرطانات المعدة المعتمدة على تفعيل MAPK-WNT تفتقر حاليًا لعلاجات موجهة فعالة

استهداف هذه الآلية قد يسمح بإيقاف نمو الورم في مراحله الأولى

ويعمل الفريق البحثي حاليًا على تطوير استراتيجيات تعطل هذا المسار السرطاني دون التأثير على أنسجة المعدة السليمة.

نموذج حديث للبحث الطبي الانتقالي

تعكس هذه الدراسة توجها عالميا متزايدا نحو الاعتماد على نماذج بشرية أكثر واقعية، مثل العضويات السرطانية، وهو توجه تدعمه جهات تنظيمية كبرى مثل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA).

ويُعد هذا البحث مثالا متقدما على الدمج بين:

التحليل الجيني

النماذج الحيوانية

التحقق المباشر في أورام بشرية

بما يتماشى مع أولويات البحث الطبي العالمية الحديثة.

المصدر: مجلة Molecular Cancer