توصل باحثون صينيون إلى أن شكل الجسم، وتحديدا درجة الاستدارة في منطقة البطن ، قد يكون مؤشرا مهما على زيادة خطر الإصابة بالاكتئاب. وأظهرت النتائج أن الأشخاص الذين يمتلكون مؤشرا مرتفعا لاستدارة الجسم يكونون أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب بنسبة تصل إلى 30% مقارنة بغيرهم.
قصور مؤشر كتلة الجسم في تقييم المخاطر الصحية
يُستخدم مؤشر كتلة الجسم (BMI) تقليديا لتقييم المخاطر المرتبطة بالسمنة، إذ يعتمد فقط على الطول والوزن. إلا أن هذا المؤشر يعاني من قيود واضحة، لأنه لا يميّز بين الكتلة العضلية والدهون، ولا يحدد موضع تراكم الدهون في الجسم.
دهون البطن الخطر الصحي الأكبر
تُعد الدهون الحشوية، التي تتراكم عميقا في تجويف البطن حول الأعضاء الداخلية، من أخطر أنواع الدهون على صحة الإنسان. ولتقييم هذا النوع من السمنة، طوّر العلماء ما يُعرف بـ مؤشر استدارة الجسم (BRI)، والذي يعتمد على قياس نسبة محيط الخصر إلى الطول، ما يمنح صورة أدق عن السمنة المركزية.
تفاصيل الدراسة والعينة البحثية
في دراسة أجرتها جامعة شنغهاي جياو تونغ، تم تحليل بيانات نحو 201.8 ألف شخص بالغ من المملكة المتحدة ضمن قاعدة بيانات UK Biobank، وتتراوح أعمارهم بين 40 و69 عامًا، ولم يكن أي منهم مصابًا بالاكتئاب عند بدء الدراسة.
استمرت المتابعة لمدة تقارب 13 عاما في المتوسط، حيث تم حساب مؤشر استدارة الجسم للمشاركين، مع تسجيل أي حالات جديدة من الاكتئاب. كما أخذ الباحثون في الاعتبار عوامل متعددة، من بينها:
العمر والجنس
الحالة الاجتماعية والاقتصادية
الأمراض المزمنة
أنماط الحياة مثل التدخين، استهلاك الكحول، ومستوى النشاط البدني
وقد نُشرت نتائج الدراسة في مجلة Journal of Affective Disorders العلمية.
نتائج واضحة وعلاقة على شكل حرف J
أظهرت النتائج وجود علاقة واضحة على شكل منحنى حرف J، حيث تزداد احتمالية الإصابة بالاكتئاب مع ارتفاع مؤشر استدارة الجسم. واستمرت هذه العلاقة لدى الرجال والنساء على حد سواء، حتى بعد تعديل النتائج وفق مؤشر كتلة الجسم، ما يؤكد أهمية السمنة المركزية تحديدا وليس الوزن الكلي فقط.
وأوضحت الدراسة أن الأشخاص ذوي مؤشر استدارة الجسم المرتفع يتم تشخيص الاكتئاب لديهم بنسبة أعلى تصل إلى 30% مقارنة بمن لديهم مؤشر منخفض، مع ثبات بقية العوامل.
التفسيرات البيولوجية المحتملة
بحث العلماء في الأسباب المحتملة لهذه العلاقة، وخلصوا إلى عدة آليات بيولوجية، من أبرزها:
الدهون الحشوية تعمل كعضو نشط هرمونيا، وتفرز مواد التهابية تُعرف بالسيتوكينات، قد تعبر الحاجز الدموي الدماغي وتؤثر في النواقل العصبية المسؤولة عن تنظيم المزاج.
الاختلال الهرموني، وخاصة مقاومة هرمون اللبتين، ما يؤدي إلى اضطراب محور الوطاء – الغدة النخامية – الغدة الكظرية، المسؤول عن الاستجابة للتوتر.
دور نمط الحياة: تأثير محدود
أظهرت الدراسة أن نمط الحياة يلعب دورا محدودا في هذه العلاقة. فقد تبين أن:
التدخين يزيد الخطر بدرجة طفيفة
النشاط البدني يساهم في تقليل الخطر
إلا أن هذه العوامل لم تفسر سوى جزء صغير من الارتباط المكتشف، ما يشير إلى أن السبب الرئيسي بيولوجي في المقام الأول.
حدود الدراسة وآفاق الوقاية
أكد الباحثون أن الدراسة رصدية ولا تثبت وجود علاقة سببية مباشرة. كما أن العينة كانت في معظمها من أصول أوروبية، مما يستدعي إجراء دراسات إضافية على مجموعات سكانية أكثر تنوعا.
ورغم ذلك، تفتح النتائج آفاقا جديدة في مجال الوقاية، إذ يمكن لقياس محيط الخصر أن يصبح أداة بسيطة ومساعدة للأطباء لاكتشاف الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب في وقت مبكر، وتقديم توصيات مناسبة تتعلق بتعديل نمط الحياة أو الدعم النفسي.