عبد الحميد كناكري خوجة: إدمان الإيمان على عشق الأوطان.
مقالات
عبد الحميد كناكري خوجة: إدمان الإيمان على عشق الأوطان.


تتدفق كلماتي لا بوصف المدعي ولا المتعالي، بل بلسان من يرى في الوطن أمانة ثقيلة. وفي الإيمان مسؤولية لاتختزل بالشعارات. فعشق الأوطان، حين يكون صادقا، لايقال كثيرا، بل يحمل بصبر، ويدافع عنه بوعي، ويصان بالصدق قبل السلاح. هو إدمان من نوع آخر؛ إدمان على الكرامة، على عدم التنازل، على رفض الإعتياد على الذل.

إن الإيمان الحقيقي لا ينفصل عن الأرض، ولايتناقض مع الدفاع عنها. بل هو الذي يعلمنا أن نغربل المواقف، فنميز بين من يقاوم بالفعل ومن يتاجر بالكلام، بين من يصبر ليحفظ الوطن، ومن يصرخ ليحفظ صورته. الغربلة هنا ليست قسوة، بل ضرورة، لأن زمن الالتباس أخطر من زمن المواجهة.

ومن هذا المنطلق، أتوجه بنداء صادق إلى أبناء مسقط رأسي بلد الأبجدية الأولى: وجهوا البوصلة وثبتوا إبرتها شطر جنوبكم المدنس من قبل أقدام الغاصبين، نحو ترابكم المقدس. نحو أرضكم التي لا تستعاد بالإنقسام ولا بالانتظار. الوحدة ثم الوحدة، ثم الصبر المقرون بالفعل، هي الطريق لوقف مد الحريق. فالحقوق لا تعود إلا لمن يؤمن بها ويدفع ثمنها، والجيش والشعب ليسا خطين متوازيين، بل جسد واحد لمواجهة عدو محتل مغتصب واحد، وليس لمواجهة أشقاء أو أبناء عمومة، فإن صلح حال الجيش في تحرير ترابه المغتصب، صلح حال الوطن، وإن انكسر إنكسر الوطن.

ولايغيب عن قلبنا نحن السوريون، واجب التحية والوقوف بجانب رجال المقاومة الوطنية اللبنانية أسود ونمور مرابطين في الثغور، المدافعين عن شرفهم وشرفكم وشرف الشعب اللبناني الشقيق ككل بكامل شرائحه وطوائفه وملله ونحله ومذاهبه، والمدافعين عن كرامة أمتكم العربية والإسلامية والمسيحية. أولئك الرجال الذين قدموا الغالي والنفيس وعلموا العالم معنى الإستبسال والرجولة، في زمن الهرولة والإنبطاح وتحملوا أذى من يعتبروهم أشقاء في الدين والعروبة بل حتى حروب سيبرانية وأخرى تشويهية لسمعتهم لا لشيئ، فقط لأنهم اختاروا خط المقاومة والدفاع عن ترابهم الوطني وعن أشقائهم الفلسطينيين المظلومين، وقالوا ”لا" للمحتل ووقفوا كالقلاع الفولاذية المنيعة بوجه مغتصب أقصاكم المبارك.

إن وحدة الصفوف الشعبية والجماهيرية مع جيوشها، ووحدة أوطاننا العربية ال 23، ووحدة عالمنا الإسلامي، ليست حلما رومانسيا، بل شرط بقاء. على أن يترافق ذلك مع نبذ التعصب الديني الأعمى الذي تغذيه بعض قوى رجعية تميل كفتها لصالح العدو الصهيوني، ولا بد من احترام جميع شعوب العالم أيضا دون العدو منهم. ولا بد من مكافحة الآفات الاجتماعية الهدامة.

الحذر واجب من أبواق مأجورة، ومن خونة الداخل قبل الخارج، والانتباه من الأخبار الملفقة المفبركة الكاذبة التي تستهدف تشوية حركات التحرر والمقاومة ودول الصمود والتصدي والممانعة والمحور، ولابد من تقوية المجتمع المدني، ورص الجبهات، وسد الثغرات، هي معركة وعي لا تقل خطورة عن ساحات النار. فالفوضى الخلاقة ليست إلا خرابا متقنا ومن يدرك ذلك لايخدع بسهولة. أكتب لأن الإيمان، حين يعشق الوطن، لايعرف الصمت، راجيا الله سبحانه أن تتوحد جميع التشكيلات المقاومة والمدافعة عن الجنوبين اللبناني والسوري. وأن يوجه جيشكم أيها الأشقاء السوريين إبرة بوصلته شطر المسجد المحتل والمدنس بأقدام الصهاينة.

مفكر كاتب حر، فنان وطني شامل وإعلامي سابق في الغربة.