في وقت من عام 1990 كنت أدرس في كلية الصحافة، جامعة تشارلز كأقدم و أشهر جامعة في وسط أوروبة و كنت حينها أنتمي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قبل أن تعبر قيادتها حباً و طواعية نهر الأردن إلى بيت الطاعة العرفاتي مع قليل من المكابرة و الكثير من الغنج الرخيص الذي تطور طبيعياً و بشكل حتمي إلى الدعارة السياسية من خلال الخدمات الجليلة التي قدمتها و تقدمها لعرفات و نسله و أتباعه الغارقين بالفسق الوطني و العمالة منذ نشأتهم التي أسموها إنطلاقة وهي لم تكن سوى طلقة في صدر شعبنا الفلسطيني.
حينها كنت نشيطاً جداُ في السياسة و التنظيم و قبلها في العسكر في لبنان مما فتح عليّ أبواب الجحيم من جواسيس فتح و عبيدهم و من الأمن التشيكي بكل فروعه بحيث أنني رسمياً و بالوثائق مصنف كشخصية خطرة للغاية على الأمن القومي التشيكي و أمن الإتحاد الأوروبي مما خلق لي مشاكل لم تنتهي حتى الساعة..
أقول في ذلك الوقت من عام 1990 طلب مني أحد رفاقي الذي أنهى دراسته و يتحضر للسفر أن أوصل مجلة الهدف لسان حال الجبهة و التي كنت أقوم بتوزيعها إلى ممثل سورية في إتحاد الطلاب العالمي و كونه قريب من كليتي..
توجهت لمبنى الإتحاد و أرشدوني لمكتبه في الطابق الثالث و بجرأتي الدائمة أمام أي كان وقفت في مواجهة سيد ثابت الجسد و النفس و الروح و بإبتسامة ودودة و صادقة و كأنه يعرفني تماماً و يعلم و يحس كل ما كان يعتمل في نفسي من أفكار ونوازع..
توقعت أصلاً أن يكون اللقاء كما هو مع بقية العرب المشتركين و العاملين في مؤسسات مختلفة كالإذاعة العربية و غيرها، يعني سلام، تفضل، شكراً، سلام .. لكن ممثل سورية توسع بإبتسامته إلى حد الضحكة الخفيفة مع إستمرار تثبيت نظره و مد يده مصافحاً بحرارة و كأنه يعرفني بل و حتى ينتظرني !
أشار لي بالجلوس و دون سؤال عن وقتي رفع الهاتف طالباً القهوة و وضع علبة السجائر أمامي و دون أية مقدمات واصل حديثه معي _ و كأنه إبتدأه أصلاً_ عن الأوضاع الفلسطينية و م.ت.ف و موقف الشعبية و كل ما يجول في بالي أنا تماماً و المذهل أنه كان على إطّلاع ممتاز للغاية على أدق تفاصيل القضية الفلسطينية و هو ما لم أجده عن أي مسؤول فلسطيني في التشيك و أوروبة طيلة 33 عام و زيادة في الروعة أنه كان يجيد تشخيص المشاكل و المآلات و وضع حلول لها.
بصراحة، كان لديه شحنة قوية جداً من المحبة و الإنتماء لفلسطين و للعروبة لم أجدها يوماً في أي قائد فلسطيني عرفته و قابلته مباشرة.
لقد كان يعبر عن قناعاتي تماماً و لم يكن هناك أي سبب يدعوه لقول غير ذلك و لإستضافتي أصلاً و خصوصاً أنني كنت طالباً جامعياً و لم أحتل أية مرتبة قيادية من أي نوع.
دام اللقاء 40 دقيقة ربما. و بعد اللقاء كان طبيعياً أن أسأل عنه بعض رفاقي و لم يعرفوا عنه سوى إسمه لأنه لا يختلط كثيراً. لكنني صرحت حينها أمامهم و أكدت لهم في عدة مناسبات بأنه ذو كاريزما قيادية و شخصية متميزة و أتوقع له تبوؤ مراكز قيادية هامة و كنت واثقاً من ذلك.
لذلك هنا أكرر للباحثين عن مسار ثوري فلسطيني بديل بأن أكثر من يعرف فلسطين و يحس بها هي الأم سورية و محورها المقاوم و هي البديل و ليس أي مسار آخر.
عفواً، إسم ممثل سورية الذي إلتقيته هو فيصل مقداد !.
جاسر خلف