كتب الأستاذ حليم خاتون:
مرة أخرى وأخرى، الدعم يذهب لغير مستحقيه..ما يفعله حاكم مصرف لبنان، وما تفعله الطبقة السياسية الحاكمة، سواء وُجدت في الحكم، أو حكَمت من وراء الستار، هوإعطاء جرعات مُخدّرة إلى الشعب اللبناني، من أجل كسب الوقت.
طالما الناس تجد ربطة الخبز ب٢٠٠٠ ليرة، سوف تأكل كما أيام سفربرلك، خبز مع الكثير من الماء الساخن مع بعض الأعشاب.
لن يغامر رياض سلامة بمسألة الخبز، ويا ليته يفعل, ليته يُلغي الدعم، فيعطي الثورة شرارتها.
الشعب اللبناني المُخدّر، جالس في البيت مكتفيا بالخبز، مع أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان.
مشكلة النظام اللبناني، أنه نظام قائم ومنذ تأسيسه على النهب..الدولة تنهب المواطن والمواطن ينهب الدولة ،فتأتي الأوليغارشية، وتنهب الإثنين معا, لبنان هو الدولة الوحيدة التي لم تطور قوانينها منذ ١٩٣٢, وكلّما واجه المواطن مشكلة، يلجأ إلى "البرطيل"، لحل هذه المشكلة.
ولأن الدولة تسرقه، يلجأ المواطن إلى سرقتها بدوره، عبر دفع جزء بسيط مما يتوجب عليه, الدولة تعرف أنها تسرق المواطن، والمواطن يعرف أنه يسرق الدولة في عملية دائرية شبه مُنظمة من السرقة المتبادلة.
كل هذا لأنّ الفوضى يجب أن تبق, الفوضى هي الضمانة لسيطرة الاوليغارشية، حيث كل شيء لاحلول له، وكل الامور تدور وتدور ولا تصل إلى شيء, هل هناك نظام أفضل من هذا، للسرقة واستباحة كل شيء؟
أنا شخصيا ذهبت إلى لبنان سنة ١٩٩٢، محاولاً تنظيم أملاكي بالقانو,ن .أربع سنوات قضيتها دون جدوى، سوى نصيحة من جاري (رجل قانون). قال لي: سوف تموت أنت، ويموت أولادك ربما، وتتفتت هذه الأرض إلى أملاك صغيرة من حصر إرث إلى آخر، ولن تصل إلى حل.
سألته: ما العمل؟
قال لي: بعها, قلت له: إذا لم يكن لها من حل، فمن سوف يشتري؟
ابتسم ابتسامة ساخرة وأجابني:
الزعران كثر. هم لا يهمهم، لا قانون، ولا دولة.
أنت تريد تنظيم أمورك، في بلد قائم على الفوضى واللانظام, فإما أن تكون منهم، أو ترحل عنهم.
يومها ظننت أن الزعران هم المرابون في الضيعة، أو اتباع الأحزاب.اليوم أعرف أن الزعران هم الدولة نفسها.
والزعران هم أيضا جزء كبير من اللبنانيين., منهم من وُلد أزعرَ؛ ومنهم من علّمته الدولة أنه إن لم "يتزعرن"، فسَوف يُداس بين الأقدام.
يقولون لك أن لبنان بلد ديموقراطي، فيه انتخابات نيابية كل أربع سنوات، ورئاسية كل ست سنوات.. فتكتشف، أن الرئيس مأمور مخفر معين من هذه القوة العظمى أو تلك، أو ناتج عن تسوية ما بين قوى متفرقة.
تسألهم:
من انتخب رياض سلامة؟
ما هي الضوابط؟
لا أحد يجيب. ببساطة، رياض سلامة هو المندوب السامي الأممي عندنا. نحن فعلاً دولة تحت الانتداب، لكن دولة منهوبة.
في هذه الأيام، رياض سلامة يخضع للإدارة الأميركية.لذلك، لا رئيس الجمهورية، ولا رئيس الحكومة، ولا كل مجلس النواب استطاع أن ينبس ببنت شفة.
فقط، ربما شاشة أو شاشتان، وجريدة، أو اثنتان، تجرأت وتناولت رجل أميركا الأوّل في البلد، بعد السفيرة الأميركية.
اليوم سوف يقوم رياض سلامة بالسطو على جزء من ودائع اللبنانيين، ليستمر في سياسة دعم عقيمة، يذهب معظمها إلى جيوب الأغنياء؛ وكأن نجيب ميقاتي يحتاج إلى دواء مدعوم، أو أن ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري يحتاجون إلى بنزين مدعوم لهم ولأولادهم والمرافقين.
أو كأن فؤاد السنيورة يعجز عن شراء الخبز إذا ارتفعت أسعاره.
بعد ١٧تشرين، ظلّت المنار تحاول تناول ما يحصل بكثيرٍ من التّحفّظ. اليوم والحمدلله، علا صوت المنار... صار أكثر صدامية.
صرنا إذا استيقظنا بعد منتصف الليل، نسمع تحاليل اقتصادية وسياسية وليس فقط أدعية وصلوات.
كما يقول المثل: أن تأتي متأخراً، أفضل من أن لا تأتي أبدا., أما مثلث الشاشات القابضة من رياض سلامة والمدافعة عنه، فَجُلّ همها، هذه الأيام تغطية ساحات أميركا، كما كانوا يغطّون الdowntown، كانوا جزءً من "ثورة" ملوّنة., لم نعد نرى على شاشاتهم، سوى پولا يعقوبيان، ومن يُسبًح باسم أميركا والسعودية والإمارات, لو كان عند ملك البحرين مالاً، لما قصّروا في مدحه، طالما أن المتنبي وجد حتى في كافور مصر شيئا يمدحه.
لبنان إلى أين؟
المخلصون لا يدرون. لا نعرف إلى أين تسير السفينة.. جماعة أميركا يحاولون كسب الوقت.,ترامب كان قاسياً جدا.
أثناء معاقبة المقاومة سلخ جلد البلد وجلدهم، خاصة أن البلد أساساً ليس للحزب. هو لهم، وتحت أيديهم.
لكنّ ترامب الأرعن لا يهمه ذلك, لذلك فرمهم وهو يحاول أذية حزب الله.,هم ينتظرون بايدن؛ كذلك يفعل رياض سلامة.
ربما رأفت أميركا بأحوالهم.
المقاومة، هي أيضا تنتظر، تخشى ما لا يجب أن تخشا, .ماذا إذا فعلها ترامب؟
ليته يفعلها., الأفضل أن يفعلها الرجل القبيح الذي لا يلبس قناعا،على أن يفعلها رجل بقناع، لا يمكنك رؤية مدى قبحه.
أما لبنان المساكين، فهو ينتظر الفرج من الله.
مسلموه ينتظرون المهديّ.
ومسيحيّوه ينتظرون عودة السيد المسيح.
بكل بساطة لأنّه ليس في لبنان من يريد بناء دولة قانون وعدالة اجتماعية.
لا في ٨ ، ولا في ١٤
.
ألم تسمعوا أمس سيمفونية البطرك صفير، يعزفها آلان عون:
"يجب إزالة الطائفية من النفوس قبل النصوص"، يقولها النائب الميمون، رغم أنه تلقى ثقافة فرنسية ناتجة عن اتفاقيات ويستفاليا وعنوانها في فرنسا: أخوّة، حرية، مساوات.. إنه لبنان، بلد ألف ليلة وليلة من العجائب.