كتب حليم خاتون:
منذ تيقن فريق جماعة ترامب في الإقليم من حتمية خروجه من البيت الأبيض، وهؤلاء يدورون
ويخططون لمستقبل غير يقين للمنطقة.
حتى وكالة الطاقة الدولية لم تتأخر في هذا المجال حين تحدثت منذ فترة عن وجود أثار تخصيب غير مُصَرّح به في أحد المواقع.
دارت شائعات عديدة عن إمكانية قيام ترامب بمهاجمة هذا الموقع او غيره تحت غطاء ما صرّحت به الوكالة.
وقيل يومها أن تحذيرا شديد القوة وصل إلى الاميركيين من أن الرّد لن يكون على الإطلاق محدودا..
جاءت عملية اغتيال الدكتور محسن فخري زاده، أقل مما كانت تنوى إدارة ترامب فعله، ولكن بالتأكيد أكبر بكثير مما يمكن لمحور المقاومة ابتلاعه.
الأكيد أن عملية الإغتيال لم تصدم الإيرانيين فحسب، بل أظهرت، بكل أسف، نوعا من الخلل داخل منظومة القرار الإيرانية.
تعددت التصريحات الصادرة من طهران وتراوحت بين القرار الحاسم بوجوب الرد، وبين نوع من الدعوة إلى الحكمة في التعامل مع هذا الإغتيال.
والغريب أن أكثر المواقف حدّة خرجت من الموقع الديبلوماسي، حيث صرّح الوزير ظريف بحتمية الرد وبكل القوة الممكن تصورها، في حين فاجأنا السيد أمير موسوي بالدعوة إلى الحكمة على شاشة الميادين.
عوّدنا الإيرانيون على حقيقة أنهم لا ينامون على ضيم.
وكان من أبرز ردودهم... ما فعلوه ببريطانيا بعد احتجاز ناقلة النفط الإيرانية من قبل سلطات جبل طارق.
يومها لقّن الإيرانيون درسا قاسيا إلى بريطانيا ومن خلفها إلى أميريكا.
حتى اغتيال سليماني، ورغم محدودية الرد في عين الاسد، تجرأ الإيرانيون على ما لم تتجرأ عليه دولة، مهما عَظُمَت، في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
عندما تخرج وكالة سبوتنيك الروسية لتتحدث عن فشل محاولة لاغتيال السيد نصرالله في لبنان، يجب التوقف عميقا
ولكن ليس مطولا أمام ما حدث وما كان يمكن أن يحدث.
على اي من الأسس يمكن فهم تصريح قائد الحرس الثوري من أن اغتيال الدكتور زادة هو خاتمة الإغتيالات.
ما قاله السيد أمير موسوي على شاشة الميادين، عن الحماس ضمن جمهور محور المقاومة الذي يطالب بالرد الصاروخي وطلبه للحكمة في التعامل، خيّب الكثير من الآمال.
تماما كما فعلت دعوة أخرى إلى عدم السماح لإسرائيل بجرً المحور إلى ملعبها.
فجأة وجدنا أنفسنا أمام استراتيجية اختيار زمان المعركة ومكانها الذي غلّف الضعف العربي عشرات السنين.
فجأة، خرجت أمام أعيننا صور الأنظمة العربية والفصائل الفلسطينية العاجزة عن أي فعل والقادرة فقط على رمي قنابل صوتية لا أكثر.
لإيران تاريخ من الحزم والتصميم، يرجو جمهور المقاومة عدم إضاعته.
لا يطلب هذا الجمهور إطلاق بضعة صواريخ لرفع العتب.
في الإقليم، يوجد محوران واضحا التحديد.
لقد تم استهداف المركز الأساسي لأحد المحورين.
في المقابل، يوجد محور واضح جدا، له ثلاثة أضلع ،
ليس صعبا على الإطلاق استهدافه وتلقينه درسا لن يُنسى.
إذا كان الرد في عين الأسد قد تم تقبّله، وإن بصعوبة كبيرة، لمحدوديته، فإن الرّد على اغتيال الدكتور زادة، وبسبب الظروف خلال هذين الشهرين المعقّدين
جدا، يجب أن يتجاوز الرد السابق بأشواط.
الضلع الأول المتمثل بالسعودية هو الاكثر ضعفا والأسهل للإستهداف.
استهداف السعودية لا يحتاج إلى أي خبير استراتيجي لتبيان ضعف النظام هناك وقابليته للسقوط بمجرد توجيه ضربات معدودة موجعة اقتصاديا وعسكريا.
يكفي هنا رفع الحظر الموضوع على أنصار الله
من قبل قوى إقليمية وعالمية، حتى يتلقى بن سلمان الصفعات المميتة التي يستحق.
الضلع الثاني في ابو ظبي.
لا تحتاج إيران إلى أية حجة لضرب المطارات التي استقبلت وتستقبل الإسرائيليين، طالما أن أبناء زايد أعلنوا من هناك صراحة وعلنا أن حلفهم الجديد موّجه ضد طهران، ناهيك عن الأنباء التي تواترت عن مرور فريق الكومندوس الإسرائيلي وتهريبه إلى طهران عن طريق دبي.
كل ما سبق يُعطي شرعية كاملة لإيران باستهداف هاتين الإمارتين القائمتين على أساسات زجاجية بكل ما في الكلمة من معنى.
أبناء زايد لم يتعلموا في المدارس أن الذي بيته من زجاج لا يرمي الناس بالحجارة.
الضلع الثالث والأهم والذي يجب استهدافه بسبب وبغير سبب، فما بالك وهو قد خرج متحديا وأعطى كل المبررات لضربه.
إنه الكيان، الذي يتوهم أنه
أكبر من أن يطاله انتقام.
ماذا لو تم استهداف مفاعل ديمونا؟
كلنا يعرف أن هذا الإستهداف ممكن مئة في المئة ومن أكثر من جبهة ومن عدة مواقع.
- [ ] كل المطلوب هو فقط النية والإرادة.
سوف يخرج من يمكن أن يقول إن ديمونا خط أحمر.
ولأن ديمونا خط احمر، يجب استهدافها.
إن استهداف هذا الموقع سوف يهز العالم وقد آن الأوان لهذا العالم أن يهتز.
الروس، أصدقاء إسرائيل، قد لا يعجبهم هذا.
لكن سوف يفهمون أن زمان خداع عبدالناصر قد ولّى.
الصينيون قد ينزعجون من اي حرب تقضي على استثماراتهم في الكيان.
يجب إفهام هاتين الدولتين، أنهما لا تستطيعان الإتكال على حرب استنزاف إيرانية ضد اميركا لتأخذا موقعهما الجديد في العالم دون أي مجهود.
يجب توريط هاتين الدولتين وجرهما إلى دفع الثمن إن أرادتا الصعود.
أوروبا سوف تكون أكثر المُستائين من ضرب ديمونا.
إنه الرعب النووي الذي أسسوه ودعموه وغطّوه
طويلا.
ها هو ينفجر في وجههم.
هل يعرف الإستراتيجيون ماذا يعني استهداف ديمونا؟
حتى ولو لم يُدمر هذا المفاعل؛
مجرد استهدافه هو خطوة جبّارة نحو نهاية الكيان.
استهداف ديمونا هو هروب المستوطنين بعشرات ومئات الآلاف
من الكيان والعودة إلى مواطنهم الأصلية.
استهداف ديمونا سوف يدفع بن سلمان وأبناء زايد إلى استعمال آخر مبتكرات بامبرز لكبار السن من العاجزين.
إن ما فعله ترامب قبل سنة باغتيال سليماني والمهندس، وما فعله نتنياهو أول أمس باغتيال الدكتور فخري زادة هو إرهاب دولة إمبريالي موصوف.
الرد عليه يجب أن يكون إرهابا ثوريا مزلزلا يحبس الأنفاس.
هذه هي الحكمة.
وليس التروي كما يطلب بعض "المترددين".
كل المطلوب هو التوكل على الله؛
ومن توكل على الأعظم، تهون أمامه كل الأمور.
إن نتنياهو وترامب هم اكثر من يُعول على دعوات عدم التهور التي تصدر في محور المقاومة.
هذه الدعوات تعني أن ترامب ونتنياهو يستطيعان الإفلات دون عقاب؛ دون دفع الأثمان المطلوبة.
لم يهتّز العالم حين اغتيل سليماني والمهندس رغم كل الحقارة والجبن الذي ميّز عملية الإغتيال تلك.
هل يريد المحور انتظار اغتيال السيد لا سمح الله!؟
هل تريد إيران انتظار محاولة لاغتيال المُرشد؟!
من السهل التخطيط للإغتيالات.
ليس صعبا القيام بالإغتيالات.
السكوت و"الحكمة" سوف يؤديان إلى هذا المحظور.
اغتيال مقاوم في سوريا جعل جنود العدو في الجليل يقفون ومنذ شهور
على رجل ونصف.
ألا يستأهل ما حدث، في ظروف ما حدث، أن تجعل إيران نتنياهو وابن سلمان وأبناء زايد يقفون على رجل ونصف.
انها ليست قضية عض اصابع كما يحلو لبعض المُحللين الوصف.
كما أن شعبنا لن يقبل العض على الجراح بعد اليوم.
نريد أن نرى ابن سلمان منتخبا في زاوية يندب.
نريد أن نرى أبناء زايد يلعنون الساعة التي أقنعهم فيها ابن العتيبي بسهولة الخيانة.
صحيح أن سقوط شهيد، وكل شهيد يعني لنا، وللأمة الكثير؛
صحيح أن سقوط الشهيد تلو الشهيد ليس نهاية العالم؛ والنضال لن يتوقف.
لكن ما فعله هؤلاء الكلاب، يجب أن يعيشوا على أساس أنه نهاية العالم.
أما المحور الذي بلغ من القوة ما يسّر الله له،
تقول له شعوبنا،
سألوا فرعون مَن فَرْعَنَك،
قال،
لم أجد مَن "يردّني"،
(يوقفني).
حليم خاتون