كتب الأستاذ حليم خاتون:
إن كل من عاصر حروب التحرير في القرن الماضي، يذكر بالتأكيد أن
ألأميركيين كثيرا ما كانوا يشترون الولاءات بالمال.
هم بدأوا باللجوء إلى العقوبات بعد أن تلقوا الهزائم.
ما كان يحصل عادة هو العكس؛ حيث كانت البلاد التي تتحرر هي التي تقاطع الدول الإستعمارية،
كما حصل بُعيد انتصار الثورة الصينية.
أو كما حدث مع نضال المهاتما غاندي لاستقلال الهند.
لقد قاطع الهنود المنتجات البريطانية وتسبّبوا بأزمة اقتصادية للمصانع البريطانية التي عجزت عن تصريف منتجاتها.
لعل أقدم العقوبات التي تسببت بالأذى هي تلك التي فُرضت على كوبا بعد انتصار الثورة، وبعد الهزيمة التي لحقت بالغزاة
في خليج الخنازير.
إذا نظرنا بتمعن إلى الثورة الفيتنامية، نجد أن الحديث عن عقوبات هناك اختفى تماما.
أكيد أن الأميركيين فرضوا عقوبات.
لكن احدا لم يهتم؛
أحدا لم يسأل.
شعب فيتنام فضّل الحرية والعزة على البيبسي والكوكا...
من هنا نرى أن فرض العقوبات هو سلاح ذو حدين.
الغرب يستطيع فرض العقوبات كسلاح، على البلاد التي يرتبط اقتصادها بالنظام العالمي الذي يسيطرون هم، عليه.
إذا أخذنا كوبا كمثل، نجد أن هذا البلد كان تابعا مئة في المئة لاميركا قبل الثورة، حيث كانوا يعتمدون في كل استيرادهم وتصديرهم على اميركا.
في حين كان الصينيون والفيتناميون والهنود في غنى عن الٱرتباط بمركز الرأسمال العالمي.
خلال عقود، قامت كوبا ببناء إقتصاد وصل إلى درجة كبيرة من الإكتفاء الذاتي.
كذلك فعلت إيران.
إذا، لماذا لا زالت اميركا تلجأ إلى العقوبات كسلاح.
أولا، يجب النظر إلى العقوبات كسلاح من قبل الغرب في حال عجزه عن استخدام القوة العسكرية.
وهذه العقوبات تصبح سلاحا فاعلا فقط في حالة الخضوع لها.
صحيح أن ما يُصعًب الأمور على الدول الخاضعة للعقوبات هو ضعف النظام العالمي، والإنتهازية التي تتحكم بالكثيرين من أقطابه، وعلى رأس هؤلاء، دول وازنة مثل روسيا والصين.
لكن الصحيح أيضا أن كل دولة حرة تستطيع مواجهة العقوبات، بل وحتى فرض عقوبات مضادة إذا توافرت الإرادة الحرة.
وكلما زاد وزن الدولة الٱقتصادي، زادت قدرتها على التصدي لسياسة العقوبات.
المُعيب فعلا، أن دولا مثل الصين وروسيا، تخضع هي نفسها للعقوبات، تعود وتشارك الغرب في فرض عقوبات على دول أصغر كما حصل مع إيران التي عانت من حصار أممي بتساهل من هاتين الدولتين في مجلس الأمن.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وفي مقابلة مع زعيم الحزب الشيوعي اليوغوسلافي، جوزيف تيتو، أجاب على سؤال حول موقع يوغوسلافيا في التحالفات الدولية بالقول،
إن أحدا لا يستطيع فرض شروط على يوغوسلافيا.
يوغوسلافيا تعرّضت للإحتلال، قاومت، وتحررت بسواعد ابنائها
دون منّة من أحد.
لقد تعرضت إيران إلى عقوبات، شارك في فرضها
كل أعضاء مجلس الأمن الدائمين.
لذلك على إيران عدم الإعتماد على أي قوة خارجية.
على إيران بناء اقتصاد لا يحتاج إلى الخارج، بل الخارج هو من يحتاج إليه.
فقط في هذه الحالة تكون إيران حرّة.
إلى الذين يطلبون من ٱيران ابتلاع ما حصل، بانتظار مجيء بايدن، وهم كثر، وبينهم بكل أسف، كتّاب ومحللون من محور المقاومة؛
الى هؤلاء، جواب واضح،
إذا انتظرت إيران، تكون ارتكبت خطأ مميتا.
اولا، لأن ترامب ونتنياهو سوف يعاودون الضرب، وبجرأة أكبر.
وثانيا، لأن بايدن سوف يأتي وفي رأسه أن الإيرانيين قابلون للإبتزاز.
أمام الإيرانيين طريق واحد لا يستطيعون الخروج عنه،
طريق الصبر والبناء الذاتي والمقاومة.
هذا الطريق يُحرًرهم من الحاجة إلى رفع العقوبات.
هذا الطريق يحررهم من العبودية للخارج.
هذا الطريق يسمح لهم فعلا، لا قولا، ردّ الصاع صاعين.
مشكلة إيران اليوم، ومشكلة المحور معها، أنهم يريدون البقاء ضمن هذا النظام الدولي العفن.
يريدون فقط مكانا يرفض الغرب إعطاءهم إياه.
لو هم دفعوا الباب بأرجلهم إقفالا.
لو هم هزّوا المنطقة، وهم قادرون، لهرول الكل إليهم طلبا للإستقرار.
لماذا الحفاظ على استقرار يريده أعداؤنا، بينما نحن قادرون على قلب الطاولة على رأس الجميع.
بالأمس كان ترامب قويا، لأننا نحن سمحنا له أن يكون كذلك.
اليوم يريد نتنياهو أن يكون قويا،
هل نسمح له بذلك وبأيدينا ما يمكن أن يُدمر الكيان عدة مرات على رأس ليس فقط نتنياهو، بل على رأس كل من ساهم بٱيجاد هذا الكيان.
منطقتنا شهدت مُعظم الحضارات التي يعرفها العالم الحديث.
عشنا آلاف السنين نأكل مما نزرع، ونلبس مما ننسج.
والآن، نريد رفع العقوبات.
إلى الجحيم بكل ما يمكن أن يوفره رفع العقوبات،
الحرية والعزة والكرامة أثمن بألف مرة.
لذا، وكي لا نُفاجأ غدا بضربة يتفضّى نتنياهو وترامب للتحضير لها،
اضربوهم اليوم.