كتب حليم خاتون:
صحيح أن حزب الله متواجد، ومنذ فترة غير قصيرة، داخل هذا النظام القائم على كل ما يمكن أن يكون فساداً مطلقاً دون رادع....
صحيح أن تواجد حزب الله داخل هذا النظام البغيض، هو مطلب جهادي جماهيري بسبب عدم ثقة الوطنيين والقوميين على الخيارات التي من الممكن أن تتخذها أي فئة من القيّمين على هذا النظام العفِن والتابع بمعظمه إلى قوى خارجية عدوة لمصالح الأمة والناس..
إلّا أنّ حزب الله قطعاً، ليس جزءاً من هذا العَفَن الذي يلف البلد بأكمله.
صحيح أن السيد نصرالله بدأ كلامه بشيء من الحِدّة
تجاه ما أسماه هو "المزايدات" التي يتعرض لها الحزب، والتي كثيراً ما يُلصقها بعض الٱخوة في الحزب، بيسار المقاومة.
إلا أن تتابع الحديث يُظهر، بما لا يقبل الشك، أنّ ما يسميه بعضهم مزايدات هو في حقيقة الأمر بُعْد نظر، وتحليل استراتيجي لواقع الإمبريالية وأهدافها في المنطقة.
يبدأ السيد، ويُصرّ على وضع سقف عقلاني لا يجب تجاوزه للأزمة...
إنه رفض الحرب الأهلية.
وكأننا بالسيد يقول إنّ "المزايدين" يريدون دفع الحزب إلى حرب أهلية، والاستفادة من قوته لفرض الإصلاح.
إن الذين يطالبون الحزب بعمل ما ليسوا من المزايدين، إنّهم جمهور الحزب.
السيد نصرالله نفسه يقول: إن الخارج "الإمبريالي" هو من دفع الأمور إلى حروب أهلية في العراق وسورية واليمن و....
ثم يضيف: إنّ هذا الخارج وبعض الداخل يدفع باتجاه الحرب في لبنان.
إذاً... التوصيف الفعلي للأمور ينفي وجود مزايدين عديمي الأخلاق، لأن الحرب بذاتها هي هدف القوى المعادية للمقاومة.
أكيد أن أنصار الله، أو المقاومة العراقية، أو الرئيس بشّار الأسد، لم يكونوا يريدون أن تصل الأمور إلى الحرب، تماما كما أن حزب الله لا يريد ذلك.
لكن الإمبريالية نجحت في دفع الأمور إلى الحرب هناك، ولولا ستر الله وتوفيقه لكنّا تعرضنا إلى هزائم ساحقة في تلك البلدان، ولكن رحمة الله سمحت لنا بالتصدّي، وقلب الأمور لصالح محورالمقاومة بعد دفع أثمان باهظة، كان من الممكن تجنّبها لو أننا أخذنا تصميم الإمبريالية على الحروب بالحسبان.
ما يمنع الحرب في لبنان ليس حسن النيّة،لاعند الإمبريالية ولا عند بعض الداخل، وقطعاً ليس لأن حزب الله لا يريدها...
ما يمنع الحرب في لبنان، هو القوة الجماهيرية والعسكرية والعقائدية لحزب الله، وخوف الإمبريالية من هزيمة ساحقة تخرجهم نهائيا من لبنان، بعد أن تدمّر عملاؤهم، فيخسرون بلداً هم يسيطرون فيه على كل أجهزته الأمنيّة، وعلى 90٪ من السلطات بأركانها الثلاثة: تنفيذية تشريعية وقضائية، ناهيك عما يُسمى زوراً بالمجتمع المدني...
الحقيقة المطلقة ليست ملك أحد، لا أفراداً ولا أحزابا...
الحقيقة المطلقة تأتي بالنقاش، والتفاعل الفكري
والتحليل الحرّ غير الخاضع لtaboo، أياً كانت صفة التحريم تلك.
حين ينتقل السيد من الحِدّة في رفض الحرب الأهلية، إلى محاورة باقي أهل النظام في وجوب إيجاد خارطة طريق للخروج من الأزمة التي يطلق عليها صفات الأزمة المعيشية الإجتماعية الإقتصاديةالسياسية...
ليصل إلى النتيجة الحتميّة... إنها أزمة نظام...إنها أزمة دستورية...حينها يحاول السيد تجنّب التركيز على هذه الحقيقة التي يعرفها جيداً، والتي على أساسها كان قد دعا يوماً إلى مؤتمرٍ تأسيسيٍّ من أجل لبنان.
لعدم استفزاز قصيري النظر يتحدث عن وجوب إجراءإصلاحات لا تمس الجوهر الطائفي للنظام بأي تغيير... يحاول السيد بهذا الكلام المشي على البيض دون تكسيره....
هل هذا ممكن؟
هل سوف يكون بالإمكان إصلاح أوضاع هذا البلد دون المسّ بالبنية الطائفية للنظام؟
هل هدف إقامة دولة مدنية في لبنان، كما أراد الإمام موسى الصدر، هو هدف طوباوي لا عقلاني؟
بهدوء منقطع النظير يحاول السيد رسم خارطة طريق لأركان النظام، من أجل إعادة الأمور إلى بعض نصابها....
هل هذا حسن نيّة من السيد؟
هل سعد الحريري ورياض سلامة، وحتى رئاسة الجمهورية جديرون بهذه الثقة من أجل إصلاح النظام؟
نحن نتواجد اليوم في ستاتيكو الانهيار...
المتحكّمون بأوضاع هذا الستاتيكو، هم الإمبريالية وأتباعها الذين يناشدهم السيد إلى العقلانية...
السيد يعرف أن هؤلاء لا يمكن الوثوق بهم، لذلك وبعد إلقاء الحجّة تلو الأخرى على أهل النظام، ينهي الكلام بكلمات فصل...
إذا وصلنا الى اليوم الذي لن نستطيع حينها اتخاذ الإجراءات من ضمن النظام، سوف نتخذ الإجراءات من خارج النظام.
لن نسمح بالجوع. لن نسمح بالانهيار..
واللبيب من الإشارة يفهم.