في الساحة الوطنية الفلسطينية في الوطن والشتات لم تبلور الاحزاب والمنظمات والفصائل رؤية وطنية واضحة ومحددة سواء فيما يتعلق بطبيعة الصراع الاساسي مع الكيان من حيث كونه صراع وجودي او طبيعة الكيانات السياسية الحاكمة في الوطن العربي او الاحزاب العربية الفاعلة والناشطة فيه.
ان الحركات الفلسطينية التي تصدت للمشروع الصهيوني ووعد بلفور المشؤوم واشعلت ثورات البراق وثورة الثلاثينات وما تخللها وتلاها من تعاطٍ مع مشاريع ووعود سلطة الانتداب البريطانية ثم قرار التقسيم المجحف والظالم وما تلاها من نكبة الاحتلال والمذابح والتهجير والضياع وقيام دولة الكيان واعتراف هيئة الامم المتحدة ودول العالم بها وضع الشعب الفلسطيني والانظمة العربية والاحزاب كافة امام التحدي الصهيوني الاستعماري.
ان قصر الوعي لدى الحركات الفلسطينية والعربية وفي سياق المرحلة التاريخية قد يبرر عدم مقدرتها على صياغة رؤيا واضحة ونهج سياسي جلي وعجزها عن القيام بالمهام الوطنية والقومية التي تواكب وتتلائم مع طبيعة المرحلة.
ان حرب حزيران وما ترتب عليها من هزيمة نكراء للجيوش العربية واحتلال كامل الوطن الفلسطيني بالاضافة الى اراض عربية لمصر وسوريا كشف هزال وخواء الانظمة والاحزاب العربية كافة.تقدمت الفصائل الفلسطينية الى المشهد السياسي والمعترك العسكري عبر الكفاح المسلح قاطعة الطريق على الشعوب العربيةكي لا تحاسب الانظمة المهزومة وقامت الانظمة في نفخ كير نار الحرب الشعبية والكفاح المسلح وحملتنا اكثر مما نحتمل وترعرع فينا الوهم باننا من سيحرر فلسطين وقدمنا للانظمة صك البراءة مقابل القليل من الدعم المادي والشحيح من العسكري وبهذا اعفت نفسها من المحاسبة والمسائلة وتراخت الاحزاب الغربية وسلكت سلوك الانظمة نفسها ونزلت الى الساحة الفلسطينية بنفس العقل والنهج والسلوك الذي انهزم في حزيران وعكس نفسه على مجمل السلوك الفلسطيني العسكري والسياسي وسادت الفوضى السياسية والتنظيمية واساليب التعاطي مع الانظمة العربية والكيان على حد سواء.وكانت النتائج الكارثية في الاردن والمدمرة في لبنان ثمرة طبيعية لهذه الفوضى وقصر الوعي بكل ابعاده.
ان قضية فلسطين التي شغلت العالم منذ مؤتمر بال الصهيوني ١٨٩٧ وحتى الان وما رافقها من حلول طرحت الا ان ايا من هذه الحلول لم ير النور ولم يكتب له النجاح وصار جليا الان ان الاهتمام بها تراجع والحل ابعد منالا من اي وقت مضى .
وعلى الرغم من البروز الظاهري لهذه القضية واستمراريتها وبقائها عصية على الحل يعود بطبيعة الحال الى غياب انتليجنسيا فلسطينية رائدة وفوضى الحواس بين عباس وحماس مع الاخذ بالاعتبار ان بقية الفصائل هي الجمهور المتفرج على هذه الفوضى. ومع انشغال شعوب المنطقة بمشكلاتها الخاصة العميقة والمستفحلة واوضاعها الراهنة الرهيبة فلا احد يتوقع جديا في هذه الاوضاع الراهنة ان يهتم السوريون والعراقيون والمصريون والاردنيون واللبنانيون وباقي العرب باي شيئ غير مصائبهم وويلاتهم الخاصة الحالية.
في هذا الوقت العصيب تعود القيادة الفلسطينية الى جولات السلام العقيمة التي لا تنتهي ولم تعط اي ثمار ملموسة ذات شأن اللهم الا مزيدا من انشاء المستعمرات الصهيونية الجديدة واستمرار خسارتنا لارضنا تحت اعين " حماس" ومباركة " فتح" عباس ومنسقيه الامنيين والراقصين له كما القرود.
ان الحركة الوطنية الفلسطينية فقدت قياداتها التاريخية (قيادات عسكرية وسياسية وثقافية وادبية) وفقدت رسالتها الوطنية ومبرر وجودها فبعد اكثر من ربع قرن على اتفاق اوسلو فقدت السلطة الفلسطينية الحد الادنى من الصدقية يمكن ان يكون قد توفرت لها في السابق كما ان منظمة التحرير الفلسطينية لم يعد لها اي قدرة على التاثير ولا اي مضامين ذات قيمة وشأن وباتت صفتها التمثيلية موضع شك وفي الوقت ذاته لا يبدو نموذج " حماس" في غزة اكثر جاذبية من نموذج " فتح" في الضفة الغربية وما يمكن ان تدعيه " حماس" في مجال المقاومة يبطله فشلها في ممارسة الحكم والرقص على الحبال بين العربان والاخوان واردغان..
ان اي محاولة جادة لتاسيس حركة وطنية فلسطينية تاخذ على عاتقها التصدي للصراع الوجودي مع الكيان لا مفر لها من ارساء رؤيا ثقافية سياسية تربوية ببعد انساني حضاري معتمدا اساليب العصر في نهج انجاز التحرير تحرير الانسان والارض وبناء النموذج ويزرع القيم العليا والاخلاق ومواكبة المسار الحضاري الانساني الذي تتبناه الشعوب وخاصة تلك التي انجزت استقلالها الوطني من نير المستعمر ونالت حريتها وتفرغت لمعركة البناء والنهوض العلمي والتطور التكنولوجي.
عباس يبحث عن دولته مع امريكا ومنظمتها الدولية وهنية يطل علينا ببرنامج مشاركته لعباس بضمان قطر وتركيا ومصر.



