كتب م. زياد ابو الرجا:
ان مجتمعاتنا تستمرئ منذ قرون الرزوخ تحت الاستبداد الاسيوي بكل اشكاله القومية والدينية والايديولوجية حتى صار الاستبداد ثقافة عامة ومنهج حياة يمارسه العوام داخل الاسرة والعشيرة ويمجده الادباء والشعراء بكيل المديح والثناء للحاكم المستبد الفاشستي وترفعه فوق هاماتها اذا ما حقق نصرا قوميا على الاخر او احتل بلدانا تنتهي بنهب خيراتها واستعباد شعوبها .
لقد شكلت الانظمة الاستبدادية امبراطوريات قامت على التوسع والعدوانية واستعباد الاخر وتداولت السلطة فيما بينها على الاغتيالات والتصفيات داخل القصور.ان التطور التاريخي ادى الى سقوطها مما جعل شعوبها تعاني مرارة هذا السقوط ان العجز عن استعادة المجد الضائع قاد هذه الشعوب الى الشيزوفرينيا ( الفصام) الاجتماعية والعقدية والسياسية وصار الماضي التليد هو القوت اليومي الذي تجتره مرارا وتكرارا .
حصل هذا مع الامبراطوريات كلها بلا استثناء الاسلامية الاموية والعباسية والعثمانية والمغولية والصفوية وانسحب الامر عينه على الامبراطورية الالمانية والايطالية التي هزمت في الحرب العالمية الاولى وكذلك سقوط القيصرية في روسيا على ايدي البلاشفة.
نلاحظ ان الشعوب الاسلامية منذ سقوط امبراطورياتها تحن الى زمن الخلافة فسقوط الامبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الاولى ادى الى بروز ابو العلاء المودودي وظاهرته في الهند وحسن البنا والاخوان المسلمين في مصر، وفي اوروبا، البلشفية في روسيا والفاشية في ايطاليا والنازية في المانيا والفرنكونية في اسبانيا وكلها بلا استثناء فاشستية ومستبدة ولو حللنا هذه الظواهر والحركات نجد ان هناك قواسم مشتركة ومناهج متشابهة تجمعها رغم التباعد الجغرافي والاختلاف القومي والعقائدي على سبيل المثال لا الحصر
١- ان الحقيقة "موجود مطلق بالفعل" وما عليك الا ان تدركها وتؤمن بها.
٢- ان هناك مجموعة من البشر تسمو على من سواها من الناس ومن حقها ان تسيطر على باقي البشرية.
٣- انها تجعل من القتال والحروب والكراهية للاخر واجب وفريضة مقدسين والغنائم نعمة ربانية.
٤- ان هناك دائما عدو داخلي وعدو خارجي ولا بد من تجميع كل القوى على قلب رجل واحد وان اي فكر مستقل عن الجماعة هو انحراف ويجب ضربه بيد من حديد.وان العدو الخارجي تحت المستوى البشري وبالتالي يحق استعباده والتحكم به.
٥- المؤامرة هي فكرة فاشستية بامتياز.
٦- واخيرا وليس اخرا السمو والتميز العرقي او الديني.
انهزمت النازية الالمانية والفاشستية الايطالية التي استولت على السلطة بانتخابات ديموقراطية واجماع شعبي هزيمة نكراء في الحرب العالمية الثانية ان الشق الفاشي الذي قام على نظرية سمو عرق من الاعراق على باقي البشرية اندثر الى غير رجعة رغم محاولات البعض لاحياءه اما الشق الفاشي الذي يقوم على الدين الذي يسمو على غيره من الديانات ( وفي منطقتنا المذهب الذي يسمو على ما عداه من المذاهب) لا زال موجودا وتؤمن به العوام ايمانا قاطعا بانه السبيل الوحيد الى ذرى المجد والعزة وتستغله الطبقات السياسية الانتهازية لتحقيق هيمنتها الاقتصادية والسلطوية بل والتحالف مع اعداء الوطن والدين الحق.
ان الفاشية بطبيعة تكوينها تريد العيش منفصلة عن الشعوب وتريد ان تخلق وتسن قوانينها الفاشية بشكل اخر هي عدم الاعتراف بالهزيمة على اي حال من الاحوال.الفاشية تعيش داخل بالون او ( فقاعة صابون) معلقة في الهواء تخشى ملامسة ارض الواقع لان في ذلك نهايتها وانفضاح هشاشتها( لاحظ ان من يعيش داخل هذه الفقاعة هو في قلق وخوف دائم طفل يبكي ان اخذت منه دميته).
ان كل بيوت الفاشية والاستبداد بيوت ايلة للسقوط وكل مراكبها على وشك الغرق والمخرج يكون باعمار بيوت جديدة تستخدم اخر ما توصل اليه العقل البشري المبدع وليس اضاعة الوقت والجهد على ترميم ما لا يمكن ترميمه.



