كتب موسى عبًاس:
مع تزايد الأزمات الداخلية والصراعات الإقليمية والدولية شكّلت الطائفية في لبنان معضلة أساسية يزداد تأثيرها السلبي في الدولة والمجتمع،حيث أصبح استخدام الدِّين والطائفة أمراً طبيعيّاً في الأزمات الداخلية، حتى أنّ بعض رجال الدّين باتوا لا يتورّعون عن التدخل في القضاء الذي وجب أن يكون ميزاناً للعدالة ، ولكنّه بات محاصَراً إضافةً للزعامات السياسية من الزعامات الدينية التي وبحكم موقعها الدّيني من المفترض بل الواجب أن تتدخل لصالح الحقّ، لكننا نراها تنحاز لصالح الفاسدين علناً .
وهكذا فُقِدت الحدود بين العلمانيّة والطائفية،فقد اختلط الخطاب الديني بالخطاب السياسي، الأمر الذي شكّل توافقاً بين الزعامات السياسية والدينية ولكن هذا التوافق ليس لمصلحة المواطنين بل لمصلحة لصوص الهيكل من مافيا تجّار السياسة والدّين والمال.
وبما أنّ الدّين الإسلامي لا يوجب التفرقة بين العبادة والسياسة لأنّه ليس دين عبادة فقط وإنّما دين مُعاملة وجب أن يتدخّل في جميع الأمور التي تعالج هموم ومشاكل وعلاقات الناس لما فيه مصلحة ونهوض المجتمع فهو الإطار الحاضن للحياة الإنسانية وبالتالي فإنّ السياسة جزء أساسي من الكُلّ وليس هناك تناقض أو تفرقة بين السياسة والدّين.
لكن الإشكالية الواقعة والموجودة هي في أنّ بعض علماء الدّين المسلمين في لبنان لا يعملون وفق المنهج الواجب اتّباعه ليكونوا صادقين في تأدية دورهم وغير مخالفين للشريعة السماوية التي تُلزِمُهم بالوقوف إلى جانب الحق لإيصال الناس إلى حقوقهم المشروعة، ها هم يُساندون في مواقفهم الزعامات السياسية الفاسدة المساهِمة في نهب المال العام ويدافعون عن المُتّهم الأوّل في تدمير الإقتصاد اللبناني بالتواطؤ والتكافل مع مافيا المصارف والإحتكارات ، حتى بات المواطن يتّهمهم علناً ولا يُشكّك في أنّهم إمّا مساهمون في عمليات تهريب الأموال أو أنّهم في أحسن الأحوال بدلاً من أن يَخشونَ ربّهم ومساءلته لهم يوم الحساب ، بدلاً من ذلك يخشَون أو يمالؤون من كان لهم الفضل في وصولهم إلى المواقع الدّينية التي يتبوَؤنها ، وبدلاً من الوقوف في وجه الباطل يزجرون ويردعون الفاسدين باتوا في غالب الأحيان إن أحسنَّ الظنّ صُمّاً بُكْماً عن قول الحق وإن شكّكنا نراهم مشاركين في الجريمة.
المسيحية في بداياتها انتشرت بعد جليل التضحيات التي بذلها أصحاب النبيّ "عيسى المسيح عليه السلام " الذين وقفوا إلى جانب المستضعفين ضد المتجبّرين والطّغاة وتُجّار الهيكل ودفعوا الثمن غالياً، ولكن ما الذي يحدث اليوم في لبنان؟!
من الذي يقف ضد المستضعفين والمقهورين من كافّة الطوائف والمذاهب والذين لا يفرّق الفقر بينهم؟!
من الذي يقف ضد قاضية تحاول جُهدها تحقيق جزء من العدالة ؟!
أليس الدّفاع عن أركان الفساد المالي والإقتصادي (حاكم مصرف لبنان وأصحاب المصارف ومحلات الصيرفة )تحت حجّة الدّفاع عن الإقتصاد الحرّ ،يستوجب التساؤل لماذا وما السبب؟!
واقعاً ، لا ندري عن أيّ اقتصاد حر وبأيّ وجه يُدافع غبطته ،وهل الإقتصاد الحرّ يُبيح سرِقة أموال الناس وتهريبها؟!
كما لا نعرف بأيّ وجه يقف رجال دين مسلمين ومسيحيين إلى جانب اللّصوص بينما الأجدر بهم أن يكونوا رأس حربة في الدّفاع عن حقوق الفقراء ضدّ من سلبهم لُقمةَ عيشهم وجنى عُمرَهم !
إذا كنّا نتفهّم توحّد السياسيين بمن فيهم الأضداد ضدّ مصالح من أوصلوهم إلى سدّة المسؤولية ، لأنّهم بذلك يُدافعون عن مكاسبهم وعن حامي ما اكتنزوه من أموال في المصارف الأجنبية خوفاً من افتضاح أمرهم إن استطاع القضاء إجباره ُ على إماطة اللّثام عن جرائمهم، لكن من الصعب جدّاً أن نفهم كيف برجال دين في أعلى المواقع الدينية يمارسون نفس الدور ،
لكن من المؤكّد أنّ الدّين في مكان وبعضٌ من رجال الدّين في مكانٍ آخر.
"حين سكت أهل الحقّ عن الباطل، توهّم أهلُ الباطل أنّهم على حقّ".