كتب الأستاذ حليم خاتون:
اليوم يحتفل تلفزيون المنار في لبنان بالعام الثلاثين... مسيرة شريفة ومشرًفة...لكن الكمال لله وحده جل جلاله.
اليوم سوف يتحدث السيد نصرالله.
ماذا تراه يقول في مسيرة حزب الله والمحور بعد انتصار غزة؟
في الثامن والعشرين من سبتمبر، أيلول ١٩٧٠ توقف قلب جمال عبد الناصر عن الخفقان، فبكى العرب، وبكت آسيا وإفريقيا وأحرار العالم رجلا، من أعظم الرجال كما جاء في تأبين انور السادات لهذا الرجل الأيقونة..
لم يكن انور السادات من رجال ثورة يوليو الأقوياء... ولعل هذا أحد الأسباب التي جعلت قائد الثورة، جمال عبد الناصر، يختاره نائبا له لتفادي صراع الأجنحة القوية في الإتحاد الاشتراكي العربي في الوقت الذي كانت مصر تعيد بناء جيشها ومؤسساتها بعد نكسة حزيران ٦٧...
في الوقت الذي كانت الأمة بأكملها، من المحيط الى الخليج، تشيع عبد الناصر إلى جوار ربه، كانت العقول السوداء قد بدأت التخطيط لدفن الفكر الناصري ومعه الفكر القومي العربي مع رمز هذا الفكر القائد تقريبا خلال عقدين من الزمن...
اجتمعت الأجنحة القوية في الإتحاد الاشتراكي واتفقت على مبايعة أضعف رجل من رجال الثورة، انور محمد السادات...
كان هذا بنظرهم افضل مرحلة انتقالية ممكنة تجنبا لصراع الأجنحة فيما بينها...
لكن انور السادات لم يكن سوى ثعلبا ادعى المسكنة حتى تمكن.
خدع انور السادات كل رجالات الدولة الأقوياء... وخدع المناضلين الناصريين ورجال الفكر القومي واستطاع حتى خداع المفكر الاستراتيجي الكبير محمد حسنين هيكل الذي ساعده ضد مراكز القوى اعتقادا منه انه بهذا يحمي الدولة المصرية والاشتراكية الديمقراطية من بعض أصحاب الرؤوس الحامية...
لم يمر وقت طويل حتى انقلب السادات على مبادىء ثورة يوليو الأساسية مع الإستمرار في التلطي خلف شعاراتها من أجل الإستمرار في الحكم...
انور السادات ليس استثناءََ...
أمثال انور، موجودون في كل الثورات ... والكل انتهى إلى مزبلة التاريخ...
المشكلة تبدأ مع القادة العظام الذين يعيشون اللحظات التاريخية العظيمة، فيسهون عن بناء المؤسسات الضامنة لاستمرار الثورة واستمرارية المبادىء الأساسية من اجل تقدم الأمة ...
ما حدث في مصر وأدى إلى انهيار ثورة يوليو وسقوط آخر أباطرتها المزعومين، حسني مبارك... حدث أيضا في الإتحاد السوفياتي الذي انهار على أيدي حالم جاهل اسمه غورباتشوف، وسكًير انتهازي متعجرف، هو بوريس يلتسين...
ما حدث في مصر وفي الإتحاد السوفياتي يمكن إرجاعه إلى غياب المؤسسات القادرة على ديمومة الفكر الثوري...
حتى الثورة الإيرانية، واجهت منذ اليوم الاول، وفي حياة قائدها التاريخي آية الله العظمى السيد الخميني؛ واجهت مؤامرة ابي الحسن بني صدر... وبعد غيابه، جرت محاولات كثيرة لحرف الثورة عن مسارها، ليس آخرها ارتداد احمدي نجاد عن نظرية الثورة الدائمة التي هي جوهر الدعوة الخمينية والتي يسميها الرجعيون وأعداء الثورة
نظرية تصدير الثورة والتي يجب أن تظل منارة الثوار... تصدير الثورة...
هل بنت الثورة الإيرانية المؤسسات الكافية الكفيلة بعدم ظهور سادات إيراني في يوم من الأيام؟
هذا سؤال للتاريخ، ووحده التاريخ يجيب عليه، خاصة عندما نرى تيارا ليس بسيطا موجود اليوم في إيران، ويدعو ويسعى إلى بناء علاقات صداقة مع أعتى النظم الفاسدة والرجعية والغارقة في التعصب والقتل والإجرام...
تحتفل المنار اليوم بعيدها، ويحتفل معها حزب الله، ويشاركها الفرح محور خرج أمس من اجمل انتصار على الإطلاق يمكن أن تحققه هذه الأمة.
عندما يكون الانتصار فلسطيني النكهة، تكون هذه نكهة لا مثيل لها تحت سماء الرب وما خلق الرب..
الفلسطيني، هو الهندي الأحمر في هذا الزمان الذي كاد السواد يلفه...
الفلسطيني الذي تحاربه الدنيا الخاضعة لبني صهيون، ويشارك في حصاره حتى إخوته في القومية والدين والمذهب...
الفلسطيني الذي يعيش في أكواخ من تنك اللجوء، وُيمنع عليه العيش الكريم في أرضه ووطنه وفي بلاد الشتات...
عندما يخرق الفلسطيني كل هذه القيود، لا يستطيع التاريخ إلا الوقوف إجلالاً...
باستثناء إيران وإلى حدِِِّ ما سوريا، لا يضم محور المقاومة دولا يمكن الاعتماد عليها، بل منظمات وأحزاب هي بالمعنى الحرفي للكلمة أشباه دول، لأنها تحاول بناء مؤسسات تعوض غياب مؤسسات الدول التي تتواجد فيها والتي فقدت ابسط مقومات المؤسسات والدول...
لبنان، مثل ساطع، وكذلك العراق... أما اليمن فهذا نتاج غزو الرجعية العربية في خدمة الغرب الصهيوني..
في فلسطين، تجري محاولة بعث المؤسسات التي قضى عليها تأسيس دولة الاغتصاب والاستيطان...
في العراق، جرى اغتيال رجل الحشد التاريخي، ابو مهدي المهندس... ومن يومها لا نزال نعيش أزمة تنظيمية، لا نعرف إلى ماذا سوف تنتهي... أحيانا كثيرة، تخرج من العراق صور مبهمة غير واضحة...
في اليمن، تحاول الإمبريالية، وقد فشلت كل محاولاتها السابقة في اغتيال السيد عبد الملك الحوثي...
عدة مرات، تم استهداف صعدة وصنعاء من أجل هذا...
هل تملك أنصار الله مؤسسات تحفظ الثورة اليمنية واستمرارها في حال غاب السيد حفظه الله؟...
لا شك أن السيد عبد الملك حفظه الله، يلعب الدور المحوري والأساسي في هذه الثورة اليمنية المباركة...
نتساءل بخوف ونتمنى أن تكون الأمور كما ترجو الأمة وكما يريد الله...
حزب الله فقد في مسيرته قادة من وزن الشيخ راغب، والسيد عباس، والحاج عماد مغنية واستمرت المسيرة في صعود والحمدلله...
جاء السيد حسن حفظه الله، فتعملق الحزب وزاد قوة وحقّق انتصارين عظيمين على الصهاينة وانتصارا ساحقا على التكفيريين من عملاء اميركا واتباعها العرب والأتراك...
يملك الحزب مؤسسات كثيرة تلعب دورا مهما في التخفيف من حدة الأزمة على الجماهير...
لكن هناك مشكلة غير ظاهرة بشكل كامل، ويعبر عنها تخبط الحزب في الداخل اللبناني الغارق في أزمات لا تنتهي...
حتى اليوم، يبدو الحزب وكأنه يتعاطى مع هذه الازمة اللبنانية بالقطعة...
مع الأسف الشديد لهذا التعبير لكن الحزب يمشي إلى جانب حائط الأزمة الداخلية اللبنانية ويقول يا رب السترة...
لقد كانت أنصار الله أكثر حزما وحسما في تعاملها مع عملاء الداخل...
الوزراء والنواب والممسكين بالملف المحلي يبدو تابعين لهذا النظام أكثر منهم ثوريين للخلاص منه...
يبدو حزب الله وكأنه حام لهذا النظام وحريص على عدم سقوطه... وكأنه يخشى هذا السقوط الذي يبدو لا بد منه وبالتالي يجب البناء على ما بعده...
جمهور حزب الله يمشي خلف الحزب بفضل قيادة السيد حسن.
الأكيد، أن أي كان باستثناء السيد، لن يستطيع جعل جمهور هذا الحزب يقف على الحياد في مسألة اسقاط هذا النظام...
لقد خرج السيد، وفي أكثر من مناسبة، يعرب عن الحذر والخوف من سقوط النظام...
لماذا؟
الفتنة الطائفية... الخوف من العربان، حلفاء الصهاينة...
كل التبريرات، لا يبدو أنها مقنعة في حرب لا بد منها ضد اذناب الاستعمار والامبريالية...
إذا كانت قيادة حزب الله حازمة وتاريخية في الصراع العربي الصهيوني، والسيد حسن يوحي بكل الثقة المطلوبة والتي يجب دوما تعزيزها، فإن هذه القيادة تعاني من بعض الركاكة في الأزمة الداخلية الضاربة في لبنان والتي لا يمكن تجاهل أبعادها الدولية...
ومن أجل هذا البعد الدولي للأزمة، يعتبر موقف حزب الله ركيكا... مع أن كل ما يحتاجه الحزب هو لبس ثوب وطني لا طائفي يريد بناء لبنان وطن ديمقراطي مدني عابر لكل الطوائف والمذاهب..
دولة مدنية فوق الجميع...
نأتي إلى غزة، حيث حدث الانتصار العظيم...
مسيرة القادة الشهداء في غزة، ربما هي الاغنى في المحور.
هذا منطقي جدا، لأن غزة هي السكين المغروز في خاصرة الاحتلال الغاصب...
يدور الكثير من الإشاعات التي تحاول النيل من المقاومة هناك..
لكن الظاهر لنا، نحن شعوب الأمة العربية، هو أن غزة تجاوزت كل أزمات القيادة التي يمكن تصورها، خاصة بعدما لفظت غزة اؤلئك الذين تماهوا في فترة ما مع الربيع العربي المزعوم...
القائد في غزة، يظل قائدا طالما هو على السراط المستقيم، فإن مال ولو سنتيمترا واحدا، تُخرجه المقاومة من صفوفها، أو على الأقل من القيادة...
في لبنان، اغتالت اسرائيل السيد عباس فخرج عليها السيد حسن ليزيد وجعها وجعا..
كذلك في غزة، اغتالت يحي عياش فخرج إليها أبو خالد الضيف... واغتالت المؤسس الشيخ احمد ياسين والكثير من القادة ليخرج إليها الاخ السنوار يتحداها لانه اساسا يعرف أن المقاومة غنية بالقادة المجاهدين ولأنه عاشق للشهادة ولا يهاب الموت ...
عندما تحدى الأخ يحي السنوار إسرائيل أن تتجرأ على اغتياله، كان يتمنى فعلا هذه الشهادة لأنه كان متيقنا أن تبعيات هذا الاغتيال سوف تكون اندلاع الحرب من جديد وتحولها بالفعل إلى حرب إقليمية سوف تؤدي حتما إلى نهاية هذا الكيان...
لأن المحور يحوي قادة يعشقون الشهادة، انتصر هذا المحور وهزم الصهاينة.
هنيئا للمنار عيدها ...
لكن المسيرة لا تزال بحاجة إلى ثورية أكثر وجرأة اكبر في محاربة الفساد...
المنار يجب أن تكون أمام الجماهير وليس خلفهم...
الحرب على الفساد تحتاج إلى أكثر مما تقوم به المنار بكل تأكيد...
آن للمنار أن تفتح الهواء ٢٤ على ٢٤ في الساحات وتستضيف الاقتصاديين والسياسيين في حلقات يجب أن تبغي الوصول إلى اسقاط هذا النظام وليس محاولة الإيحاء بإمكانية إصلاحه...
عندما تكون الشاشة مقاومة، لا يمكنها ألا أن تكون ثورية... هذا ألف باء الثورات والمقاومات...