كتب الأستاذ حليم خاتون:
تونس اليوم، ومنذ بضعة أيام، هي عاصمة العالم العربي...
تونس، بلد شاعر الحرية ابو القاسم الشابي، هي اليوم عاصمة القرار الذي يستند إلى إرادة...
كما زيارة مكة للحج واجبة وركن من أركان الدين، كذلك زيارة تونس لكل من يريد فعلا، لا قولا، محاربة الفساد والفاسدين، هي واجبة أيضا...
كل أحزاب لبنان، كلهم يعني كلهم، وهذه المرة حزب الله من ضمن الكل، عليهم التعلم من تونس معنى إرادة محاربة الفساد وليس التلطي خلف شعارات وحجج لا تُسمن ولا تُغني عن جوع...
لم يبكي الرئيس قيس سعيًد على أطلال وطن ذبيح بحجج واهية عن فقدان الصلاحيات أو أعطى أعذارا أقبح من كل ذنوب العجز والتقصير والخوف من الفتنة...
كما فعل قبله يوما، طارق بن زياد، جمع الرئيس سعيًد جهابذة من رجال القانون والدستور وقال لهم:
الفساد والفاسدون من أمامكم، وشعب تونس من ورائكم
لم يكن صعبا على رئيس بلد ابو القاسم الشابي أن يعرف أن القضية، كل القضية، هي في الإرادة...
إذا الشعب يوما اراد...
العاجزون فقط، هم من لا إرادة لديهم...
أما الحديث عن العجز ونسبه إلى القصور وليس إلى التقصير.... سامح الله الشيخ على هكذا زلة لسان...
عفوا شيخنا، حزب الله ليس قاصرا...
لأشهر، لم يستطع الرئيس التونسي زحزحة البرلمان الذي يسيطر عليه الفاسدون المتلطًين خلف حزب النهضة الإخواني وحليفه "قلب تونس" الذي يجمع "كبار رجال الأعمال"...
حاول الرئيس سعيًد كل الطرق عبر تكليف رجل مقبول من هؤلاء بتأليف حكومة...
الصدمة كانت عندما قام رئيس الحكومة بإقالة وزراء محسوبين على الرئيس واستبدلهم بفاسدين من المَرضي عنهم عند الإخوان وقلب تونس...
حتى قانون تجريم التطبيع مع إسرائيل لم يقبل هذا البرلمان تمريره بفضل حزبي النهضة وقلب تونس... اللذان يسعيان إلى كسب رضا أميركا وإسرائيل خلال عملية استعطاء مزيد من الأموال والقروض بعدما استطاعوا إفلاس الدولة التونسية...
تماما، كما فعلت السلطات اللبنانية منذ عشرات السنين وحتى اليوم...
وكل الهم اليوم، كما قال الشيخ نعيم هو تسليم الإدارة إلى من يستطيع الحديث مع "المجتمع الدولي" واستعطاء مزيد من القروض والأموال...
الدستور في تونس لا يسمح لرئيس الجمهورية بحلً البرلمان.
لكن إرادة محاربة الفساد جعلت الرئيس سعيًد يلجأ إلى ثغرة قانونية...
نفس هذا الدستور لا يمنع رئيس الجمهورية من تجميد البرلمان لفترة محدودة قابلة للتجديد...
قام الرئيس بتجميد مجلس النواب لمدة شهر، فجن جنون حزبي النهضة وقلب تونس ودعيا أنصارهما للنزول إلى الشارع في محاولة لفرض اعمال شغب تطيح بالرئيس... تماما كما تهدد رؤوس الفساد في لبنان بفعله في كل مرة يخرج الشعب للمطالبة بابسط الحقوق الإنسانية...
خاف بعض أصحاب القلوب الضعيفة من الفتنة والحرب الأهلية بين النهضة وكل التكفيريين الذين يقفون خلفها من جهة، وبين رئيس جمهورية مصمم على بناء دولة قانون وعدالة اجتماعية...
لكن الذي حصل، أن شعب تونس نزل هو إلى الشارع يحيًي الرئيس ويبدي الإستعداد لمواجهة كل أنصار الفتنة...
لم ير التاريخ يوما شعبا يقف ضد مصالحه الطبقية... كل ما يحتاجه هذا الشعب هو قيادة توحي بالثقة....
في تونس، ظهرت هذه القيادة في شخص الرئيس سعيًد فالتقطها...
أما في لبنان... فأهل الثقة استقالوا من دورهم منذ البداية وفضّلوا الصوم والصلاة ودعوة الفاسدين إلى التقوى لعل الدعوات تنجح في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر...
كأن دعوة نبي الإسلام تحققت برجاء وتقوى ابي سفيان وابي لهب... ويستطيع المرء القسم أن أبا سفيان ارحم وأقل خطيئة من كبار الفاسدين في دولة لبنان الكبير...
كأن السيد المسيح صاحب نظرية الخد الأيمن والخد الأيسر، لم يهجم على التجار ويقوم بطردهم من الهيكل...
حلو الرواق.... وكلام الشيخ نعيم أمس على المنار كان قمة في الرواق...
لكن الرواق مش على طول حلو...
ليت جدية الحزب في المساعدة على تأليف حكومة تكون أكثر جدية في التصدي للفاسدين...
أما المواطن الفاسد الذي يبيع في السوق السوداء...
إذا كان رب البيت في (الفساد والسرقة والنهب والاحتيال والكفر و...) ضارب...
المهم، بما أن حكومة المشيشي في تونس، المدعومة من الإخوان وقلب تونس، لم يكن الأعضاء الفاسدين فيها قد أقسموا اليمين أمام الرئيس الذي رفض مثولهم أمامه، اي انهم في حالة تصريف اعمال، قام الرئيس بعزل المشيشي من أجل تشكيل حكومة فاعلة فعلا تقوم بالمهام الواجب تنفيذها...
وتوالت القرارات بعزل كل من تشوبه شبهة فساد من الإدارات العامة...
امس خرج الرئيس ليعلن أسماء أكثر من أربعمائة رجل اعمال ومسؤول قاموا بتهريب اموال الدولة المنهوبة إلى الخارج...
كان الرئيس حازماً.
يجب إعادة كل الأموال المنهوبة.
أما بالنسبة إلى أموال التهرب الضريبي والجمركي والتي تزيد على خمسة مليارات دولار، فقد أخذ الرئيس سعيًد برأي بعض مستشاريه الإقتصاديين، وقرر تنفيذ ما كان اللواء جميل السيد يطالب به السلطة في لبنان منذ بداية الأزمة...
الدولة مستعدة لحلول وسط محددة، يقوم بموجبها هؤلاء المرتكبون بإعادة جزء يُتفق عليه فورا إلى الخزينة العامة، ويتم إنشاء شركات ومصانع وزراعات في الأرياف والمناطق الفقيرة ببقية المبالغ لتوظيف الشباب والصبايا والقضاء على البطالة...
في البداية، حاولت النهضة ربط الرئيس (المقاوم للتطبيع) بدولة الإمارات... قبل أن تجد نفسها لا حول لها ولا قوة بعد أن خرجت تظاهرات في قلب معاقلها تؤيد هذا الرئيس... خاصة بعدما لمس الناس جديته في محاربة الفساد...
هل يكون قيس سعيًد صورة أخرى ممن يركبون موجة محاربة الفساد لإقامة ديكتاتورية جديدة تشبه ديكتاتورية بورقيبة...
كل شيء جائز... لكن شعب تونس بالمرصاد...
قد تكون الكثير من إجراءات الرئيس التونسي تحمل صفات ديكتاتورية...
اليوم يجب أن لا يعلو صوت فوق صوت معركة محاربة الفساد والفاسدين...
قد يكون قيس سعيًد مستبد فعلا... لكنه حتى الآن، هو مستبد عادل ووطني بامتياز، ومقاوم للتطبيع، وفلسطين في قلبه وكذلك الأمة العربية... لذلك....
اذهبوا إلى تونس وتعلموا منها الديمقراطية الاجتماعية وكيفية المزاوجة بين النضال الوطني والنضال الاجتماعي...