كتب الأستاذ حليم خاتون:
"انت بعيد يا حبيبي، فيك تنظًر للحرب الأهلية قد بدك، ومثل ما بدك... بس نحن عشناها... واكيد ما بدنا إياها..."
السؤال المهم والصعب جدا في إيجاد الإجابة الصحيحة والدقيقة عليه... هو..
هل الحرب قدرنا؟
هل نملك خيارا آخر.. ؟
لا ملامة على هكذا سؤال... أنا طرحته على نفسي عندما الغيت سفري الى لبنان منذ اسبوع بسبب صعوبة إمكانية مقدرتي على القيام بالأعمال والأشغال التي علي القيام بها هناك نظرا للظروف التي يمر بها لبنان...
بالتأكيد، أنا لست الحاج عماد الذي ترك كل شيء، ووَهب حياته للقضية...
ولا أنا السيد حسن الذي يعيش حياة غير عادية، ليس فيها أي نكهة من نكهات الحياة العادية التي يعرفها الآخرون... بل نكهة خاصة فوق كل ما هو عادي إلى مرتبة لا يبلغها إلا أسمى انواع البشر...
بقي الحاج عماد في لبنان خلال الحرب الأهلية... رغم يقينه من هزيمة وإنهزامية منظمة التحرير الفلسطينية بكل فصائلها وكل توابعها اللبنانية...
بقي، وقاتل على كافة محاور الضاحية ضد الغزو الصهيوني سنة ٨٢...
في الوقت الذي تملكني أنا اليأس بعد هزيمة الحركة الوطنية اللبنانية،... وعلى يد مَن؟
على يد سوريا التي تملك كل جوارحي...
اعتزلت في غرفة في البيت لأيام...
رفضت رؤية اي كان من الرفاق والاصحاب...
لم اكن اطيق نفسي...
دخل علي والدي يوما وعرض علي السفر الى شقيقتي في افريقيا لأفكر بهدوء بالمستقبل...
هذا عند المناضلين، اسمه هروب إلى الأمام... اسمه هروب من الواقع...
بعد أكثر من ٤٥ سنة، لا زالت مرارة هذا القرار الخاطئ تلاحقني...
ليتني، أُستشهدت قبل هذا، رغم أن أحدا من تنظيمات ذلك الزمن لم يكن يستحق استغلال صورة شهيد أو زفته...
ارنستو تشي غيفارا، كان طبيبا ارجنتينيا يستطيع بالتأكيد أن يعيش حياة هادئة... يستطيع بناء عائلة في أي بلد...
لكن تشي لم يستطع العيش الرغيد في عالم المقهورين، الذين يجرّون سلاسلهم المرئية والخفية في "عالم الزنوج والامريكان"...
"خلاص خلاص،
ما فيش خلاص،
غير بالقنابل... والرصاص"...
كما يقول الشيخ أمام...
ذهب تشي إلى المكسيك حيث التقى بفيديل كاسترو...
ومع بضعة عشرات من المناضلين، تحررت كوبا من نير الديكتاتور باتيستا...
ترك الوزارة... ترك المناصب... وقرر الذهاب الى ادغال افريقيا لمساعدة الشعوب في نضالها من أجل الحرية...
انتهى به المطاف في بوليفيا...
اينما ذهب... كان يجد نفسه في حروب أهلية ضد الظلم...
أينما حلّ، كان يجد الاميريكيين في صف الظلمة يقتلون الفلاحين والعمال والفقراء...
في بوليفيا، سقط غيفارا... سقط "المناضل المثال،
يا مية خسارة عالرجال..."
"يمكن صرخ من الألم، من لسعة النار في الحشى...
يمكن ضحك، أو ابتسم، أو ارتعش، أو انتشى...."
"لكن اكيد.. أكيد.. ولا جدال...
غيفارا مات موتة رجال..."
مرة أخرى...
هل عندنا خيار آخر..؟
في مذكراتهم، أو في المقابلات، يتحدث بعض قادة مرحلة الحرب الأهلية في لبنان بنوع من الندم...
يتمنون لو لم تقع الحرب...
لكن الأماني شيء، والحقائق شيء آخر...
هل كان بالأمكان، إقناع بشير الجميل بأن يكون إنسانا ويتخلى عن الوحشية التي رأيناها منذ أيام في الجميزة في هراوات القوات التي كانت تحطم جماجم الشيوعيين فقط لأنهم الآخر...؟
هل يستطيع أي كان إقناع سمير جعجع بخلع ثوب العمالة لاميركا والسعودية...؟
بضعة كلمات حق لا تؤذي، تلفظ بها نائب القوات سيزار معلوف، لم يستطع تحملها قطيع العملاء...
هل يمكن لسامي الجميل وكتائبه الفاشية، التي لا زالت تحمل شعارات موسوليني وهتلر أن يقبل بالآخر...؟
هل يمكن إقناع بهاء وسعد الحريري أن لبنان ليس مزرعة رفيق الحريري، يفعلان بها ما يشاءان من أجل "مملكة الخير" التي فاض خيرها على اليمن حتى قتلت وشردت الملايين...
هل يمكن إقناع فؤاد السنيورة إعادة المليارات المنهوبة والتي تشارك هو ورياض سلامة في هندسة نهبها هذا...؟
هل ترى اميركا في كل هذا الشرق الأوسط أناسا يستحقون الحياة... هم بشر من قوميات واديان وأخلاق لا تشبه إسرائيل في شيء...؟
هل من الممكن أن يستيقظ اللبنانيون غدا، ويرون أن الحصار قد رُفع عن شواطئهم ومرافئهم، وإن الأميركيين ندموا على تدمير هذا البلد ومرفئه من أجل عيون إسرائيل... وانهم قرروا إعادة بنائه...؟
ونعود إلى السؤال الأول...
هل الحرب خيار ام قدر؟
كل انسان يحلم بالسلام لنفسه ولغيره... إلا إسرائيل وأميركا...
سلام هؤلاء الوحوش لا يتم إلا على جثثنا...
منذ حوالى السنتين توصل رئيس وزراء العراق عادل عبد المهدي إلى اتفاقية مع الصين كان من الممكن أن تحقق النهضة العراقية الكبرى، وتجلب الرخاء والتقدم والرفاه لشعب العراق...
حركت اميركا وعملاؤها المحليون كل الأدوات من ال NGOs والمخابرات التابعة للغرب...
أكيد كان بين الناس الكثير من الأبرياء...
لكن عادل عبد المهدي رفض العنف، ورفض الحرب ضد هؤلاء العملاء....
استقال هو... واستقال العراق واستقال معهما الرخاء وضمان المستقبل...
لماذا..؟
لأن عادل عبد المهدي رفض الحرب الأهلية بين الوطنيين والعملاء...
مرة أخرى، هل الحرب الأهلية خيار أم قدر يجب مواجهته...؟
ألف سؤال وسؤال قد يخطر على البال... والجواب يبقى واحدا...
إذا كان لا بد من الموت...
فمن العار أن تموت جبانا...