كتب الأستاذ هلال عون :
أصاب قرار الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، الخاص باستيراد النفط من إيران بالليرة اللبنانية ، واعتباره السفنَ المحملة بالنفط أرضاً لبنانية منذ لحظة إبحارها، أصاب هذا القرار أمريكا و«اسرائيل» بعمى الألوان ، وجعلهما مثل الثيران التي تدخل حلبات الصراع في أسبانيا ..
يظن بعض الناس أن الثور يهيج في تلك الحلبات بسبب اللون الأحمر ..
ولكن الواقع أثبت أن الثيران مصابة بعمى الألوان ، أي أنها لا تميّز بين اللون الأحمر وسواه ، لذلك فهي تهيج وتركض في الحلبة بسبب حركات المصارع وتلويحه لها بالراية الموجودة في يده ، بعيدا عن لونها .
السيد نصرالله حدّد موقفه بكلمات قليلة واضحة من الصراع مما جعل أمريكا وأتباعها كالثيران الهائجة التي تركض على غير هدى .
والذي تغيّر أنها لم تعد تتجرأ على النطح ، لأنها أيقنت أن قرونها قد تتكسّر ، بل ربما تقع وتتحطّم عظامها ، لأن أذاها تجاوز الخطوط المسموح بها.
هذا الكلام ليس فيه مبالغة ، ولا صور خيالية ، بل هو صورة واقعية للحالة التي وضعت المقاومةُ أمريكا وأتباعها فيها .
فأمريكا تسير في مشاريعها ضد لبنان ، وبالطبع ضد سورية وكامل حلف المقاومة على خطين متوازيين :
- الخط الأول : محاصرة وتجويع وإذلال شعوب المقاومة وتدمير اقتصاد دولها .
وباعتبار أن الطاقة هي رافعة الزراعة والصناعة والنقل فإن منع وصولها إلى دولنا وشعوبنا يعني تدمير هذه القطاعات التي لايُبنى اقتصاد في عالمنا العربي اللانفطي من دونها .
وعلى هذا الأساس عمل الاحتلال الأمريكي بعد قصف محطات الطاقة ، على سرقة النفط والقمح في الجزيرة السورية .
وعلى هذا الأساس أيضا تم تدمير ميناء بيروت بعد سرقة أموال اللبنانيين والسوريين المودعة في البنوك اللبنانية بمساعدة العملاء في الداخل، وفرضوا بالتوازي مع ذلك حصارا خانقا على البلدين لتجويعهما وتركيعهما ، وبالتالي سلبهما قراراتهما السيادية لتنفيذ المشاريع الصهيونية في منطقتنا بعد ضمان التخلص من وقوف سورية ولبنان في وجه تنفيذ تلك المشاريع .
- الخط الثاني : أما خط سيرها الثاني الموازي الذي تسير به ، فهو تنفيذ مشاريعهم الطاقوية في المنطقة وإخراج سورية ولبنان منها بشكل نهائي .
أما أهم المشاريع المشبوهة في خط السير الثاني التي يعملون على تنفيذها ، فهي :
- "إيست ميد" « الاسرائيلي» الذي تم التوقيع عليه في كانون الثاني 2020 بين «اسرائيل» وقبرص واليونان لنقل غاز شرق المتوسط الى أوروبا .
ولكن ليكتمل تنفيذ هذا المشروع ، يجب أن يمر خط الغاز في "المياه اللبنانية" ليصل الى قبرص فاليونان فأوروبا (هنا يتبين أحد اهداف تجويع لبنان وتركيعه وسلبه قراره السيادي).
- "منتدى غاز شرق التموسط " لتصدير الغاز من شرق البحر الأبيض المتوسط إلى اوروبا ، و الذي عقد في مصر بداية هذا العام، وضم «اسرائيل» في عضويته، بينما استبعد ايران وسورية ولبنان !
- "مشروع الشام الجديد "
وتم إطلاق هذا الاسم على هذا المشروع من قبل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي اثناء زيارته للولايات المتحدة الامريكية .
ويضم في عضويته كلا من مصر والاردن والعراق ، ويستبعد (الشام ، التي أخذ اسمها)!.
وللعلم فإن هذا المشروع هو تنفيذ لخطة قدمها البنك الدولي (أكبر مؤسسة مالية صهيونية) لنقل النفط والغاز العراقي من ميناء البصرة العراقي إلى ميناء العقبة الاردني وصولا إلى مصر لتصدير النفط والغاز العراقيين الى أوروبا (رغم أن الخطوط من العراق عبر سورية الى المتوسط شبه جاهزة ومسافتها أقصر ).
وقد تضمن هذا المشروع بنودا عجيبة ، منها أن قسما من النفط العراقي الذي سيتم تصديره إلى مصر ، سيتم تكريره في المصافي المصرية، ثم سيعاد تصديره الى العراق !!.
كذلك هناك بند عجيب هو أنه سيتم توليد الطاقة الكهربائية بالغاز العراقي في مصر ، ثم سيعاد تصدير الكهرباء الى العراق !.
(واضح هنا انهم لا يريدون للبلد النفطي ، العراق أن يقيم مصافيَ لتكرير النفط ، ولا محطات لتوليد الطاقة ، كي لا يصبح مستقلا في قراراته السياسية ، وكي يبقى اقتصاده تحت رحمة الأنظمة المرتبطة باتفاقيات مع «اسرائيل».
قرار السيد نصرالله بكسر الحصار الاقتصادي الامريكي الغربي ، واستيراد النفط والسلع الأخرى من إيران ، والتحذير من التعرض لها ، يعني «أن صيدتهم اللبنانية فلتت، أيضا ، واتجهت شرقا ، وكسرت حصارهم ، فماذ هم فاعلون»؟!.
هم يعلمون أن مشاريعهم تحت مرمى نيراننا .
وأن أي مشروع لا يمكن أن يكون آمنا دون أخذ مصالحنا بعين الاعتبار ، وأن أي مشروع اقتصادي يتم إدخال «إسرائيل» فيه لن يكون آمنا .
و من المهم القول أيضا في حسابات الخسارة والربح ، أن مسعى أمريكا وأتباعها لخلق شرخ بين المقاومة وجمهورها قد جاء بنتائج عكسية ، لأن المواطن بات يعلم يقينا من هو الذي يحاصره ويذله ، ومن الذي يفك عنه الحصار ويرفع عنه الذل .
واخيرا .. إن قرار استيراد النفط من إيران وتحدي امريكا واسرائيل بالتعرض للسفن الناقلة هو الذي دفع امريكا للإعلان عن رغبتها بتزويد لبنان بالكهرباء ، بالغاز المصري عبر الشبكة الكهربائية المربوطة بالاردن وسورية ، وذلك في محاولة للتشويش على نقل النفط من ايران الى لبنان .
ولم يبق أمام أمريكا لاستعادة توازنها سياسيا الا رفع الحصار والإعلان عن فشل مشروع التجويع والتركيع وسلب القرار السيادي عن سورية ولبنان .


