كتب الأستاذ حليم خاتون:
* كلما دق الكوز بالجرّة"، يطلع علينا قسم من اللبنانيين التابعين "لبلاد بره"، باسطوانة دولة حزب الله...
وكلما أراد أنصار الحزب الرد على هذه الاسطوانة، يبينون بما لا يقبل الشك كيف ان لا مَونة لحزب الله على ابسط الامور في مؤسسات الدولة اللبنانية...
أين هي الحقيقة، وأين هو الخيال في هذه المسألة؟
القول أن دولة لبنان تابعة، وتأتمر بأوامر حزب الله والإنطلاق من هذا لتحميل الحزب مسؤولية كل ما يحصل في هذه الدولة هو تحريف كامل لكيفية عمل جهاز الدولة اللبنانية الإداري... وكيفية فهم حزب الله لمعنى السلطة..
في نفس الوقت، لا يمكن القول أنه ليس لدى حزب الله أي تأثير على الإطلاق في سير الأمور في هذه الدولة... على الأقل معنوياََ...
هناك حقيقتان لا بد من أخذهما في الحسبان عند مقاربة هذا الموضوع:
1- حزب الله يحاول قدر الإمكان عدم التدخل في إدارة شؤون الدولة انطلاقاََ من رفضه المعلن الصريح برفض امتلاك السلطة...
2- في نفس الوقت، لدى حزب الله قوة كامنة تفوق اية قوة في لبنان، بما في ذلك قوة السلطة وقوة كل الاطراف المحلية مجتمعة، وهذا ما يجعل منه أقل من سلطة في جانبِِ، وسلطة فوق السلطة... مع وقف التنفيذ... في جانبِِ آخر...
انطلاقاََ من هاتين الحقيقتين رأينا حزب الله طيلة زمن وجوده في السلطة التشريعية أقل تأثيراََ حتى من نائب واحد من مستوى الاستاذ نجاح واكيم... إلى درجة يمكن القول أنه كان في معظم الأحيان ساكتاََ عن الحق، أو على الأقل، غير "مثير للشغب"...
لقد ترك حزب الله رفيق الحريري والترويكا المرافقة له يقودون السفينة كما يشاؤون دون سؤال في معظم الأحيان... طالما أن أحداً من هؤلاء لا يقترب من قضايا المقاومة...
حتى عندما دخل الحزب إلى السلطة التنفيذية، لم يقم بأي عمل ذو منفعة حرصاً على عدم الإصطدام بالمافيا الحاكمة... يكفي هنا الفشل الذريع في ملف الكهرباء... الذي يحمل حزب الله نصيبا منه...
كان حزب الله يمشي في ظلً "حائط المافيا، ويقول يا ربي السترة"...
ظل الأمر على هذا المنوال حتى اغتيال رفيق الحريري، والإنقلاب الذي حصل والذي سمح لكل عملاء اميركا والرجعية العربية على إظهار وجوههم الحقيقية بعد تملق النظام السوري طيلة خمسة عشرة عاماً في أسوأ اوضاع يمكن تصورها لعلاقة العبيد مع أسيادهم...
كان مشروع رفيق الحريري يسعى جاهدا لإدخال الحزب في السلطة دون جدوى، حيث كان الحزب يتحرك دائما وظهره محمي بفضل الوجود السوري المعادي العنيد للمشروع الصهيوني في فلسطين من جهة، وبفضل نوع من المظلة الدولية التي كان يؤمنها رفيق الحريري لحماية الكيان اللبناني من جهة أخرى...
ما أن اختفى الحريري وخرج السوريون، حتى احسّ حزب الله بشيء من العري تحت الثلج والمطر والعواصف...
تمت تسوية دخول حزب الله إلى السلطة التنفيذية برغبة منه لتفادي أية مؤامرات عليه من الرجعية العربية والغرب وعملائهما في الداخل اللبناني؛ وشاركه في تلك الرغبة نفس هذا الغرب وهذه الرجعية التي توهمت أنه يمكن لحزب الله أن يصاب بعدوى الفساد المستشري والذي كان قد روض حركة أمل والقوميين السوريين وبعض بقايا اليسار مع مرور السنين...
لكن غباء الغرب المستند إلى غباء اتباع السعودية لم يتوقف عند هذا، بل استعجل الأمور حين بدأت المحكمة الدولية محاولة إكمال الإنقلاب الذي نفذوه ضد السوريين بتوجيه أصابع الاتهام إلى حزب الله لمحاصرته في الداخل تمهيدا لقيام إسرائيل في الوقت المناسب بضرب الحزب كما جرى مع غزو ال٨٢...
تسبب هذا الغباء بتجذر أكبر داخل المقاومة، وتكامل اكبر وأسرع خطى بين هذه المقاومة والجمهورية الإسلامية في إيران...
لكن الحزب الذي كان يمشي فعلا بروية ويقول "يا ربي السترة"، خرج بعد حرب ٢٠٠٦ أكثر تعملقاََ، وأكثر ثقة بأنه صار ندّاََ فعليا للعدو الصهيوني...
لكن الحزب الذي شعر بكل تلك القوة الهائلة، ظل في الداخل اللبناني يحاول احترام صيغة اكل الدهر عليها وشرب، و"خري كمان"...
لم يلجأ حزب الله لاستعمال القوة إلا في ظروف المؤامرات القصوى التي برع في نسجها جنبلاط والسنيورة...
بغض النظر عن الأخطاء الفادحة التي ارتكبها الحزب عبر تسليم شريكيه، حركة أمل والتيار العوني قيادة مباحثات الدوحة، كان الجميع يعرفون ان القوة الحقيقية موجودة فعليا عند حزب الله...
استندت حركة امل، كما التيار العوني على قوة حزب الله الكامنة، للوصول إلى مقررات في الدوحة كانت لا تقل سوءاََ عن اتفاق الطائف...
طيلة السنين ما بعد الاغتيال كان الحزب يزداد قوة دون أن ينعكس هذا بشكل تلقائي على نفوذه في الداخل في أحد اسوأ الصور التي يمكن تصور نفورها...
جاء تحرير العراق والدور الذي لعبه حزب الله هناك ثم الحرب الكونية على سوريا والتي شارك فيها الحزب، حيث ادى دورأ محوريا في تغيير مسارها بإتجاه انتصار الدولة السورية... كل هذا أدى إلى تراكم قوة عند حزب الله جعل من هذا الحزب أكبر من مجرد دولة أقليمية في شرق البحر المتوسط...
لكن كل هذا لم يجعل الحزب يفرض رؤاه على الدولة التي يحمي والتي جعلتها قوته الفائضة هذه، حصناََ منيعاََ في وجه الكيان الصهيوني...
كيف يعيش حزب الله هذه الازدواجية في امتلاك القوة العظيمة من جهة، وفي التعامل مع الداخل في منتهى التواضع من جهة أخرى، إلى درجة ظن بعضهم هذا التواضع ضعفاََ...؟
هذا أمر يبعث على حيرة الخصوم والانصار في آنِِ معاً...
لكن هذه الإزدواجية، هي نفسها ما يجعل من حزب الله أقل من سلطة في الداخل اللبناني، واكثر من دولة في الإقليم...
هذه هي دولة حزب الله التي استضعفها سمير جعجع فحاول التحرش بها، قبل ان يردعه زئير سيدها...
هي نفسها دولة حزب الله التي يخافها الصهيوني وتحسب لها اميركا ألف حساب فتصدر أوامرخا للكلاب بالنباح بين الحين والآخر...
عزاؤنا يبقى أن حزب الله سوف يصل عاجلا أم آجلا إلى خلع ثوب الحلم والصبر هذا ويخرج على الأعداء شاهرا سيف الحق الذي لا بد أن ينتصر...