كتب الأستاذ محمد أيعزة من المغرب الشقيق.:
الدعشنة ليست ظاهرة غير طبيعيَّة، أو مؤامرة صهيونيَّة أميركيَّة، ماسونيَّة، صليبيَّة ، وسائر الأسباب الوهميَّة التي تناسب عقول البسطاء من النَّاس.
الدعشنة هي امتداد لعصور الِانحطاط التي نعيشها، منذ أكثر من عشرةقرون، وإفراز طبيعيٌّ لمجتمعات تحتل فيها الثقافة والفكر والمعرفة العقلانيَّة والتنوير المَرْتَبَةَ الأخيرة، من حيث الإهتمام.
معظم الأفراد في هذه المجتمعات المتخلِّفة قادرون على أن يصبحوا دواعش، في أيِّ لحظة، حتى وإن كانوا ضدَّها علنا أمام الآخرين، لأنها منغرسة بعمقٍ في موروثنا الثَّقافي والديني، وفي لاوعينا الجماعي.
ففي القرن الثالث الهجري، ذبح القرامطة الحُجَّاج، يوم وقفة عرفة، “وخلعوا الحجر الأسود من مكانه، وتوقَّفت شعيرة الحج سنوات” وقد فعلوا ذلك بِاسم الدين.
وفي القرن الأوَّل الهجري، ذبح أحد الأئمة الحاكمين المفكِّر الكبير “الجعد ابن درهم” بسكِّين في المسجد، تحت المنبر، عقب الإنتهاء من خطبة العيد.
وفي فجر الإسلام ذبح الخوارج الصحابة،وذبح الأمويُّون آل بيت النُّبوَّة المطالبين بالحكم السياسيِّ، وفي العصر الحديث، ذبح الوهَّابيُّونَ، المسلمين الذاهبين لأداء فريضة الحجِّ.
الدعشنة وأخواتها؛ لم تأتِ من كوكب آخر، وليست غريبة عنَّا.. بل هي إمتداد لنا، لأنَّها تعلَّمت في مدارسنا، وصلَّت في مساجدنا، واستمعت لإعلامنا، وتسمَّرت أمام فضائيَّاتنا، وأنصتت لمنابرنا، ونهلت من كتبنا وتراثنا الدينيِّ، وأصغت لمراجعنا، واتَّبعت فتاوى من موروثنا الفقهيِّ، من ابن حنبل وابن تيميَّة والمودودي، إلى قطب والبنَّا والقرضاوي والعرعور والعريفي والحويني.
الدعشنة؛ هي تردُّدنا أمام استحقاقات الحداثة، مروراً بصمتنا وخوفناوفسادنا وأنانيَّتنا، ومرورا بولائنا وبرائنا ونفاقنا الدينيِّ، وكذلك مروراً بالمزايدة بالدين، وبإسم الدين على طريقة “الإسلام هو الحل”، و “الشعب يريد تطبيق شرع الله”.
الدعشنة؛ نتيجة طبيعيَّة لخطاب دينيٍّ مكفِّرٍ للآخر .. وهي حصاد ما زرعناه، منذ تكفير الفلسفة والفلاسفة، قبل قرون وقرون من الفارابي والرازي وابن سيناء وإبن رشد والكندي والغزالي وابن الراوندي ..إلى حسين مروِّةونصر حامدأبوزيد،وقتل الطبري والسهروردي، وصلب الحلَّاج، وحبس المعرِّي، وحرق كتب الغزالي وأبو حيَّان التوحيدي والأصفهاني وإخوان الصفا،وقطع أوصال ابن المقفَّع،وقطع رأس أحمد بن نصر، وخنق لسان الدين ابن الخطيب وحرق جثَّته، وتكفير ابن الفارض.
والقائمة طويلة؛ إلى اغتيال عمر بن جلُّون وصبحي الصالح وعبدالخالق محجوب ومهدي عامل وفرج فودة وشكري بلعيد وناهض حتّر.
الدعشنة موجودة في بطون كتب التُّراث… اِفتح كتب التَّفسير والفقه والحديث، وغيرها من الكتب، ستجدها اِفتح مناهج الأزهر ستجد داعش .. اِسمع خطب المنابر كلَّ يوم ستجد داعش..
اِسمع فتاوى شيوخ الجَّهل المقدَّس ستجد داعش… تجوَّل في شوارعنا وعلى شواطئنا وأسواقنا ستجدها بالقرب منك.
الدعشنة ليست تنظيما، ولكنَّها ثقافة… ثقافة الموت والعنصريَّة والتكفير والطائفيَّة، والكراهية الموجودة في شرائط الكاسيت وفيديوهات التطرُّف، (من كشك وعمر عبد الرحمن , إلى اِبن لادن والظواهري والزرقاوي والبغدادي ووو…)..!
لهذا،لايكفي الحلُّ الأمني الِاستخباراتي وحده، لأنَّ الداء في العقول؛ والقضاء على الدعشنة يحتاج إلى نَفَسٍ طويل، وصبرٍ وتنويرٍ وإصلاحٍ للمنظومة التعليميَّة والتربويَّة في الأساس، في مدارسنا وجامعاتنا وكلِّياتنا !
ويجب أن يمرَّ الحلُّ بدعم الثقافة العقلانيَّة والفنِّ والتسامح، ويبدأ من البيت منذ الطفولة، عندما نعلِّم أبناءنا أن لا فرق بينهم في الحقوق والواجبات، ولا فرق بين أنثى وذكر، وبإعادة النَّظر في كتبنا (المدرسيَّة والدِّينيَّة) التي تصوِّر المرأة كائناً ضعيفا، وتجعلها نصف إنسان.
ولهذا يجب أن نخلِّص كتبنا، من روائح العنف والعنصريَّة، ويجب أن نبدأ بنقدٍ وتفكيكٍ صارمَيْنِ للموروث الدِّيني، الذي يمثِّل منبعاً تنهل منه الدعشنة ثقافة الكراهية.



